إن لك شخصيتك الخاصة بك، فإذا كنت كما أنت فسوف يكون لك عطرك الخاص بك، وسحرك الخاص بك، بشرط أن تكون صادقاً مع نفسك، ومنسجماً مع مشاعرك..
قد تقول: إذن إذا كنت غير مسرور بلقاء شخص فهل عليّ أن أصرّح له بذلك منذ البداية؟
والجواب هو بالمنفي بالطبع، ولكن عندما لا تكون مسروراً به، فلا تحاول أن تكذب عليه وتدّعي أنك تسرّ بلقائه.
إنك حينما تكون منسجماً مع ذاتك، فإن ملامحك سوف تصدق كلامك، وأما عندما تكون غير ذلك فسوف تكذبك تلك الملامح، مهما حاولت إخفاءَها..
يقول الإمام علي (عليه السلام): «ما أضمر امرؤ شيئاً إلاّ وظهر في قسمات وجهه، وفلتات لسانه»(نهج البلاغة).
إن «لغة الجسد» تكون أحياناً أكثر تعبيراً عن الشخص من «لغة اللسان».
فالصدق مع النفس يعطيك الحقيقة، التي تقوم هي بعرض نفسها في المواقف..
وقد يتساءل البعض هنا قائلاً: أفلا أتعلّم من الآخرين كيف أتصرّف؟ أفلا استرشد ممن هو أفضل مني وأعلم؟
والجواب بالطبع هو بلى.. فمن دون أن تتعلم من غيرك لا تستطيع أن تحسّن من أدائك للأعمال، ولكن المطلوب دائماً هو أن تحاول أن تقتدي بلآخرين، وليس أن تتقمص شخصياتهم. فأنت ولدت بإرادة خاصة من الله-تعالى- وقد أرادك شخصاً فريداً، لا نسخة مكررة عن الآخرين..
ولذلك لا نجد ثمة شخصين متشابهين في الحياة.. حتى التوآئم..
فالناس تختلف بعضها عن بعض من قمة الرأس إلى أخمص القدم. ذلك أن «الجينات» و«الكروموزومات»-وهي الخلايا الضئيلة التي تحمل عوامل الوراثة من الآباء إلى الأبناء-يسعها أن تكون تشكيلات لا حصر لها.. فحتى الأبناء الذين نشأوا في بيئة واحدة، وذهبوا إلى مدرسة واحدة، وتأثروا بعقائد وعادات ومثل عليا واحدة، لن تجدهم قط يشبهون أحدهم الآخر تمام الشبه.
يقول تعالى: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أطْوَرًا﴾(سورة نوح، الآية۱۴)، فما من رجلين متشابهين تماماً، فكل حياة جديدة هي شيء جديد تحت الشمس؛ ليس هناك ما يماثلها من قبل، ولن يولد مثلها أيضاً ثانية. فعلى المرء أن يدرك هذه الفكرة عن ذاته؛ ويجب أن يتطلع إلى الشرارة الوحيدة في شخصية التي تميزت عن سائر القوم، ويُنمّي تلك الشرارة إلى المدى الذي تستحقه.
ربما تحاول المدارس والمعاهد والمجتمع أن تنميها له؛ لكنها تضعنا جميعاً في قالب واحد.
فلا تدع هذه الشرارة تضيع؛ فهي سبيلك الحقيقي الوحيد إلى اكتساب القوة.
فليس هناك أي إنسان مثلك في العالم.
مئات الملايين من الناس تمتلك العيون والآذان، لكن ما من أحد يشبهك تماماً؛ وما من أحد لديه ميزاتك وطريقك وتفكيرك، فالقليل منهم يتكلمون ويعبّرون عن أنفسهم مثلك عندما تتكلم بأسلوب طبيعي، وبمعنى آخر، لديك شخصيتك الفردية، كإنسان، تمتلك أثمن هبة إلهية فتعلّق بها وطوّرها فهي الشرارة التي ستضع القوة والإخلاص في خطابك، وهي السبيل الحقيقي الوحيد إلى اكتساب القوة.
وهكذا فإنه ليس من العيب أن يكون المرء مختلفاً عن سواه، والحق أن كلاً منا مختلف عن الآخر، وهكذا يجب أن نكون، فكلٌ منّا كائن منفرد يواجه العالم والآخرين بطريقة الفذة، لهذا إبحث عن أعمق قناعاتك وكُن أمنيّاً لها ومهتدياً بنورها.
ثم يجب أن لا تنسى أن من يكتب ذاته الأصلية، ويحاول بدل ذلك أن يكون غيره سيكون تعِباً جداً، فقد ثبت أن التعب ظاهرة عمومية لدى أولئك الذين كبتوا ذواتهم الأصلية.
والواقع أنهم ليسوا متعبين بمقدار ما ان الآخرين يتعبون منهم، لقد وصفت عالمة النفس الدكتورة جاكسون في كتابها «خدعة الأعصاب» عدداً من المرضى الذين بلغ بهم الإرهاق حداً منعهم من الوقوف على أقدامهم، وهي تلخص حالهم بالآتي: «إن شعورهم بخسارة الطاقة الجسدية في الحقيقة هو إحساس بخسارة الطاقة الروحية».
والواقع أن تعبنا، معظم الأحيان، لا يأتي من فقد القوة العضلية بمقدار ما يأتي من الجهد الذي نبذله لتحقيق ذواتنا، فنحن ممثلون نحاول التأثير في سوانا، وهذا عمل شاق.
غير أن الأصيل حقاً لا يبدد طاقته في حل التناقضات، ذلك أن الصدق الذي يتحلى به يحل الصراعات الداخلية ويملؤه حيوية وفرحاً، وهو لا يبذل طاقته إلاّ لفعل ما يريد وما يعتبره مهماً.
* * *
وهنا ملاحظة أساسية، وهي ان الانسجام مع الذات والذي يعني أن تكون كما أنت، لا يمكن أن يتحقق إلاّ إذا كان تقديرك لذاتك عالياً. فالشخص الذي لايحترم ذاته لا يمكن أن يحترم الآخرين، والعكس أيضاً صحيح، فمن يحترم ذاته ويُقدّرها خليق اكثر من سواه بمعاملة الآخرين بمثل ما يعامل به نفسه.
فأنت لا تستطيع أن تحبّ الآخرين ما لم تحب نفسك ايضاً فإذا كان رأيك في نفسك ضعيفاً، وكنت تظن أن من النقص أن تكون ذاتك، انعكس ذلك على موقفك من المحيطين بك.
وإذا كنت ناقماً على نفسك، شاعراً بالنقص فيها فسوف تنعكس نقمتك على الناس.
إذن لا راحة لنا إذا كنّا نجهل ذواتنا ونحتقرها، ولا قوة خيّرة ستنبع من داخلنا إذا كان رأينا في أنفسنا ضعيفاً..
لقد سئلت ذات مرة: إذا كان حب الذات–بمعنى أن يكون الواحد متيماً بها-غير مطلوب، وكرهها غير مطلوب فما هو المطلوب إذن؟
فقلت: المطلوب إنما هو احترام الذات، وهذا ما يجب كسبه دائماً..
وخلاصة القول فإن أقوياء الشخصية يحترمون أنفسهم ويحترمون الناس، وهم يقولون ما يعتقدون أنه الصواب، ويتصرفون بما تمليه عليهم ضمائرهم، فلا يبحثون عن التظاهر إرضاءً للآخرين، ولا يرون أنفسهم ملزمين بشيء لا يؤمنون به.
ولذلك فإن قوة الشخصية تعتمد كثيراً على قوة الإرادة، حتى يتصرف المرء بسجيّته وحسب رؤيته للحياة.
ولكي تكون ذاتك فلابد أن تفعل ما تريد فعله، لاما يريده الآخرون أن تفعله.
فأنت واحد من عباد الله، ولست واحداً من عبيد الآخرين. ولذلك فإن عليك أن تكون حراً في تصرفاتك، بمعنى أن تختار ما تريد اختياره، وليس ما يريده الآخرون لك..
ولا أقصد بذلك أن عليك أن تكون «السيّد على الآخرين» وأن ترفض طلبات الناس منك، بل أقصد أن عليك أن تكون حراً وتختار بإيجابية، وليس بردة فعل دائماً.
إن قوة الشخصية تتوقف أحياناً على التناغم بين ما تفكر به، وما تريده، وما تفعله. الأمر الذي يجعلك منسجماً مع ذاتك، فلا تشعر بالتناقض بين ما تحبه وما تفعله..
إن البعض يتصرف دائماً من خلال قبوله بفرض الآخرين إرادتهم عليه، بينما المطلوب أ ن تكون حراً في اختيارك العمل الذي تريد القيام به.
جرِّب نفسك في مسألة تريد مناقشتها مع شخص آخر، وانظر إذا كنت قد هيَّأت مجموعة من الحجج والبراهين والأدلة لكي تذكرها للطرف الآخر لإقناعه بموقفك، ولكنك بدلاً من ذكرها له، تراك في المطب الذي يضعه أمامك، فهو مثلاً يبدأ الكلام ويستعرض حججه وبدلاً من أن تقدم له حججك تكتفي بردّ حججه وبراهينه ثم تختار واحدة من الخيارات التي يضعها أمامك، فأنت هنا تختار ولكن ضمن دائرة اختيار الآخرين، وتندم على ذلك..
لماذا إذن لا تجرب في المرة القادمة أن تفعل ما تريده وترغب فيه، من غير أن تحاول في ذلك إيذاء أحد أو فرض إرادتك عليه..؟
إن من حقك أن تفعل ما تريد فعله، كما أن من حق الآخرين أن يفعلوا ما يريدون، بشرط ان لا يفرضوا هم عليك آراءهم،وأن لا تفرض أنت عليهم آراءك..
وبهذا تكون أنت ذاتك. وفي ذلك تكمن أولى متطلبات قوة الشخصية. والتي هي محور السعادة في الحياة