ربما لا يدرك كثيرون ممن لم يدرسوا وضع الدعوة في مراحلها الأولى معنى فتح مكة ولا أهميته العسكرية والدينية .
لكنَّ المطلعين على الأحداث الأولى للدعوة الإسلامية يدركون جليا المكانة السامية والدور الهام لذلك الفتح ، وبيان ذلك أن العرب في بداية أمر الدعوة كانوا ينظرون إلى مكة وقريش نظرة القيادة والريادة . وكانوا يترقبون ما سيؤول إليه الحال بين قريش والمسلمين ، فإن انتصرت قريش بقوا على ما هم عليه من الشرك وعبادة للأوثان ، وإن انتصر النبي صلى الله عليه وسلم دخلوا في دين الله أفواجاً ، فلما هزمت قريش وفتحت مكة ، جاءت الوفود إليه صلى الله عليه وسلم معلنة إسلامها .
لقد حدث هذا النصر العظيم وهذا الفتح المبين في شهر رمضان المبارك سنة ثمان من الهجرة النبوية .
وتبدأ قصة هذا الفتح عندما تصالح النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش في الحديبية ، على أن يضعوا السلاح ، ودخلت خزاعة في هذا العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ودخل بنو بكر بن وائل مع قريش في عقدهم ، فلم يمض على الصلح سوى سنة وتسعة أشهر ، حتى غدر بنو بكر بن وائل حلفاء قريش بخزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستنجدت خزاعة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقرر غزو قريش ، لنقضهم العهد واعتدائهم على حلفائه من خزاعة ، فجهز جيشه وخرج قاصداً مكة لعشر مضت من رمضان ، في عشرة آلاف مقاتل من المهاجرين والأنصار وقبائل العرب ، فدخل صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا منتصرا ، وطاف بالبيت وصلى فيه ، وكسر الأصنام من حوله ، وأمن أهل مكة على أنفسهم وأموالهم إلا عددا يسيرا ممن بالغوا في عداوة النبي وشتم المسلمين .
فكان هذا الفتح نعمة على أهل مكة ، وعلى العرب عامة ، أما على أهل مكة فلأنه أزال سلطان الكفر عن رقابهم ، ولا سيما ضعفاء المؤمنين ممن لم يستطع الهجرة ، أما قبائل العرب ، فقد كان خوفهم من قريش حائلا دون إسلامهم ، فلما زالت سلطة قريش بفتح مكة ، دخلت قبائل العرب في دين الله أفواجا ، فالحمد لله على ما منَّ به من هذا الفتح العظيم .