“بعدما تحمَّلتُ معه ظلم الحياة والشقاء طلَّقني بكل بساطة للزواج من
أخرى أصغر مني وبعمر بناتي”، هكذا بدأت سعاد ذات الأعوام الخمسين قصتها
التي انتهت ببساطة بعد ثلاثين عاماً من الزواج بعشرة آلاف ليرة منحت لها
على أنها مؤخر.
سعاد هي واحدة من بين كثيرات من السيدات اللواتي عانين
من تعرضهن للطلاق السهل لانخفاض مؤخرهن الذي سبق وسجل منذ حوالي ثلاثين أو
عشرين عاماً لتتحول الآلاف القليلة التي كانت لها قيمة ذاك اليوم إلى مبلغ
زهيد يمكن لأي رجل أن يمنحه لرفيقة دربه بكل بساطة مستبدلها بأخرى أكثر
شباباً وحتى إن كانت أعلى مهراً ما دامت جميعها –أي المهور- حبراً على ورق.
ومع
كثرة وجود مثل هذه الحالات شكل موضوع المهر وكل مايتعلق بهذا الأمر محل
نقاش لدى الكثيرين وخاصة العاملون في قضايا المرأة ونصرة حقوقها، ويقول
بسام القاضي باحث في مجال العنف ضد المرأة :”برأيي أنَّ المهر أصلا يمثِّل
وجهاً مهماً من أوجه خلل العلاقة بين الرجل والمرأة فمن أين للمرأة الحق
في المهر؟.
لأنه إذا كانا شركاء في بناء أسرة المستقبل، وفي تحمّل
كافة أعبائها، فلمَ يجب أن يحصل طرف من هذه الشراكة التي يفترض، أنها
متساوية على “تعويض” مسبق؟ أليس في ذلك نوع من الشراء من قبل الرجل للمرأة
تحت مسمَّى لطيف هو “المهر”؟ وكيف يكون “البيع والشراء” جزءاً من حقوق في
علاقة أساسها الشراكة؟”، هذا التوجه الذي طرحه القاضي كان السبب بالنسبة
للكثير من الذكور في تكريس تحكمهم بزوجاتهم، لشعورهم بأنَّ لهم حقوقاً
إضافية لكونهم دفعوا مسبقاً.
ويضيف القاضي أنه وبسبب وعي الكثير من
الناس لمدى الخطأ الذي يرتبه المهر، ونتيجة للأوضاع الاقتصادية، بتنا نجد
اليوم الكثير من الزيجات الحديثة لا تأخذ المهر بالحسبان، أو تسجل مهوراً
رمزية، وهو توجه أيده محمد وهبة محكم شرعي مستشهداً بقول تعالى (وآتيتم
إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً) والقنطار دون أن يحدِّد هذا القنطار
فهو ممكن أن يكون ذهباً أو فضة أو ملحاً حسب الحالة المعيشية لكلا
الطرفين، مشيراً إلى أنه في سورية يكتب المهر على الورق حيث لا يوجد مهر
معجل ومؤخر هذا عرف أصبح معمولاًُ به.
ويؤكد وهبة أنه يجوز للزوجة أن تتنازل عن المهر كله للزوج ولكن برضاها.
لا جدوى من تغير القيمة
تعتبر
الكثير من النساء أن هذا المهر ومهما ارتفعت قيمته فهو لن يغني بأي شيء
لكون الرجل قادراً ومن خلال الابتزاز والتهديد دفعها للتنازل عن كامل
مستحقاتها، وترى هيام 39 عاماً والمتزوجة من رجل مقتدر مادياً أنَّ مهرها
البالغ 250 ألفاً مقدماً ومؤخرها 150 ألفاً لن يقفا عائقاً في وجه زوجها
أبداً لكونه مقتدراً مادياً، وتقول سميرة 49 عاماً “إنَّ المهر القليل لا
يلعب دوراً كبيراً في تسهيل عملية الطلاق عند الرجل، لأنَّ الرجل إذا
اتَّخذ قرار الانفصال فإنه سيقوم بالاستدانة من الآخرين حتى يدفع نفقة
زوجته”، وهذا ما تؤكده عزيزة التي قام زوجها عندما رغب بتطليقها ببيع قطعة
أرض صغيرة ورثها عن والده ليدفع لها ما يترتب عليها من مستحقات.
لذلك
لجأت نساء أخريات إلى حلول اعتبرنها صحيحة ليحمين أنفسهن من خطر الطلاق
ومنهن ليلى التي أكدت أنها تقوم بسحب كميات كبيرة من المال من زوجها لكي
تبقى جيوبه فارغة حتى لا يستطيع، أن يفكِّر في يوم من الأيام أن يتزوَّج
عليها أو يقوم بتطليقها تقول” إنَّ المال إذا توفَّر مع الرجل بكثرة
فإنَّه يبقى المحرِّض الأول لزواج الرجل من جديد وبأخذ المال منه أستطيع
أن أعيش بأمان وسلام وأن أكون على ثقة تماماً بأنَّ زوجي لن يطلقني”.
وفراس
لديه وجهة نظر تقول: “ إنَّ المرأة من حقها الخوف على مصالحها خاصة لدى
تخلي الرجل عنها لذلك نرى أنَّ أغلب العائلات باتت تسجل على الرجل قيمة
مادية بعيدة كل البعد عن المال مثل تسجيل منزل باسم العروس أو عقار معيَّن
حيث إنه لا يفقد قيمته مع مرور الزمن بالإضافة إلى سهولة تحصيله من الزوج
ولكن لا تجوز المغالاة فيه “ المهر” لأنَّ ظروف الشباب في وقتنا لا
تتحمَّل تسجيل عقار باسم العروس مع بداية مشواره” .
أطروحات جديدة
ظهرت
مؤخراً ونتيجة التوعية في هذا المجال وتناقل القصص والمشاكل طروحات جديدة
لضمان حصول المرأة على حقها الذي شرع لها أصلاً والذي تزوجت على أساسه،
وتقترح هيا عبيد 48 عاماً “أنَّه من المفروض حماية المرأة من الطلاق بوضع
نسبة معينة على المهر يزيد فيها مع ازدياد السنوات بما يتناسب مع ظروف
الحياة الحالية لأنه بغضِّ النظر عن قيمة المهر الضئيلة التي تتسبَّب في
حدوث الانفصال فإنَّ قيمته المادية لا تكفي لشراء قطعتي ملابس في وقتنا
الحالي” .
أما وفاء فهي متزوجة وتعيش بأمان دون خوف من الطلاق حيث
تقول: “أنا متزوجة منذ 24 سنة، وأعيش بأمان حقيقي لأنَّ مقدمي يبلغ مليون
ليرة سورية، بينما المتأخر يبلغ نصف مليون ليرة وهذان المبلغان يجعلانني
أعيش بأمان خاصة وأنَّ زوجي غير قادر على دفع نفقتي”. وتشاركها في الرأي
منى 49 عاماً التي أوضحت “أنَّ كلا المتقدم والمتأخر يبلغان 100 ألف، وعلى
الرغم من صغر هذين المبلغين إلا أنَّ زوجي غير قادر على دفعهما بسبب حالته
المادية السيئة، وبالتالي فأنا أعيش بأمان لأنني أعرف أنَّ زوجي غير قادر
على تطليقي”.
وعند طرح التساؤل حول إمكانية تحسين وضع مهر الزوجة مع
الأيام رفض بسام القاضي باحث في مجال العنف ضد المرأة، الفكرة قائلاً:”
إنَّ المهر يشكل ضمانة فهذا ليس صحيحاً فالمحاكم والأسر التي تلجأ إلى
الطلاق يومياً في كل مكان يكون سببه تحول المهر في الواقع إلى أداة ابتزاز
معاكسة من قبل الرجل للمرأة الراغبة بالطلاق ومن الممكن أن تتحوَّل رغبة
المرأة بالطلاق إلى كارثة دائمة في حياتها بسبب أنَّ الرجل قد حوَّل مشكلة
المهر لصالحه فهو يبتزُّها بأن يطلب منها أن تتنازل عنه كلياً حتى يوافق
على الطلاق أو في التفاصيل المتعلقة بالأطفال، موضحاً أن ضمانة المرأة هي
أن يكون هناك قانون يعتمد المرأة والرجل ككائنين متساويين في الشراكة
الزوجية وبالتالي أن تكون لها حقوقها في هذه الشراكة بعد انتهاء الحياة
الزوجية فما بني أثناء الزواج (البيت، الأرض، الأغراض...) يجب أن يتمَّ
تقاسمه مناصفة مؤكداً أنها ليست حجة هنا أنَّ الرجل عادة يعمل خارج البيت
والمرأة داخله فعملها داخله هو عمل حقيقي ولا يقلُّ أهمية عن عمل الرجل
خارج البيت وبالتالي من حقها مناصفة الرجل على كل ما تمَّ الحصول عليه
أثناء الحياة الزوجية هذه هي الضمانة الحقيقية التي تخرج المرأة والرجل من
مهاترات الطلاق وتكفل لكل منهما حقوقاً صحيحة وإنسانية لا حقوقاً مبنية
على ظلم طرف لطرف آخر.
أما محمد وهبة المحكم الشرعي فاعتبر أن
هذه النقطة مهمة، نظراً لوجود زيجات دامت عشرين وثلاثين عاماً كان المهر
وقتها 200 ليرة سورية أو 2000 ليرة سورية وهي مبالغ رغم قيمتها ذاك الوقت
لكنها لا تساوي شيئاً لذلك فكَّر بعض العلماء بأنه يجب تعديل هذا المهر
بحيث يقوم على الذهب لكون الذهب قيمته ثمينة فإذا قلنا إنَّ 2000 ليرة
تشتري 2000 غرام ذهب لذلك فإننا نعادل 2000 ليرة سورية كم تساوي غراماً من
الذهب وندفع للزوجة بما يعادل ذلك حيث يمكن أن يصبح أكثر من مهر بنات
اليوم أما بعض العلماء قالوا إنَّ المهر يبقى مثل ما وضع عليه، لكن لو
شرطت المرأة على الرجل قبل الزواج أن مهري على الذهب أو الدولار مثلاً
يريد أن يدفع الرجل المهر مئة ألف ليرة سورية لكن الزوجة تريده ذهباً
فيعادل بقيمة الذهب ويقدَّم لها. هذا ممكن لأنَّ عقد الزواج هو عبارة عن
شروط عامة وخاصة ورضا كلا الطرفين عنها. إذاً المهر حقُّ المرأة لا يجوز
للأب أن يأخذه إلا برضاها ولا يجوز للزوج أن يمدَّ يده عليه ولا يجبرها
على ذلك وإذا قدَّم لها هدية ذهب لا يحقُّ له أن يسترجعها وعندما يحتاج
إليها الرجل لا يجوز له أن يأخذه إلا برضاها لأنه مالها الخاص.
وجهة نظر
لا
يمكن لأي منا أن ينكر الدور الذي قد يلعبه الطلاق في حل الكثير من
النزاعات وحتى أحياناً في إنقاذ العلاقة الأسرية التي بات استمرارها مأساة
للأبناء وللزوجين، وهو أمر وإن كان غير مرغوب كثيراً فهو مشرع دينياً،
ولكن التوجه الذي ننادي به ضرورة منح المرأة شيئاً من الضمان عند نهاية
علاقتها الزوجية تتناسب مع قيمتها وما بذلته من جهود لاستمرار عائلتها،
لاسيما أن نسبة مرتفعة من المطلقات يتعرضن لهذه المشكلة في سن متأخرة لا
تمكنهن من العمل أو الزواج.