بسم الله الرحمن الرحيم
تجري كلمة "السِّرّ" على ألسن الناس دون وعي حقيقي لمعناها من قِبل السواد الأعظم منهم.
وكثيراً ما يطلقها البعضُ بمعنى "الألطاف"، أو بمعنى "الكنوز"، الواجب حيازتها واقتنائها؛ بينما يُعرِّفها آخرون: أنها ما وَجَبَ كتمه وحرمتْ إذاعته.
وبين هذا وذاك تضيع الكلمة ويضيع معناها!
فالسر(4) حق، وأشرف الأسرار أقدسها وأدقها: "السِّرّ الإلهي". فماذا تعني تلك العبارة؟
السِّرّ الإلهي هو تلك الحقائق الكونية الماثلة أمامنا، والغائبة عن إدراكنا وحواسنا، التي أودعها اللهُ في كل شيء.
السِّرّ الإلهي هو القدرة الإلهية التي خَلَقَ اللهُ بها الخلْقَ، والتي يميتهم ثم يحييهم بها.
السِّرّ الإلهي هو الفطرة التي غرسها اللهُ فينا وفي كل حي..
السر الإلهي هو العلة التي من أجلها خَلَقَ اللهُ كلَّ شيء.
السر الإلهي هو الحكمة من وراء كل شيء..
السر الإلهي هو وعينا وإدراكنا لتلك الحقائق...
وبناءً عليه، العارف بالسر الإلهي هو المُقارب لتلك المعاني والحقائق، فهل تنحصر هذه المعرفة بشخص أو فئة أو طائفة؟ وهل هي واجبة على كافة العباد أم مندوبة..؟
الجواب:
بيَّن كتابُ اللهِ العزيز أن عامة الناس مأمورون بالنظر والتفكُّر والتدبُّر(5)، وأن طلب المعرفة(6) واجب شرعي ومطلب وحاجة إنسانية.
إذن، ما المشكلة في قضية الأسرار في الإسلام؟
المشكلة هي لدى جمهور أهل السنة والجماعة وجمهور شيعة آل بيت رسول الله ــ ص ــ على حدٍّ سواء مع الباطنيين(7) من صوفيين وعرفانيين وأصحاب آراء جديدة.
فالمشكلة مع الصوفيين والعرفانيين (بنظر هؤلاء) هي الابتداع في الدين، حيث لا يرى جمهور المسلمين صورة واضحة للصوفية أو العرفانية في فجر الإسلام أو صدره، وإنما ممارسة لأسس إسلامية(8) يُجيَّر بعضها لصالح الصوفية، وتأمّل وإبداع يحسب لصالح العرفانية.
فلا حاجة للطرح الصوفي ما دام "الزهد ــ الحق" جزءاً من الإسلام الأصيل، كما لا حاجة لِما يُسمى "الفكر العرفاني" ما دام كتاب الله وسنة نبيه (ص) يغنيان عما سواهما في كافة الأمور والعلوم الدينية.
فهل بقي بعد هذا الكلام أسرار في دين الله؟
نعم، بقي أسرار بمعنى: جواهر العلوم وفنونها، وألغاز التوحيد وكنوزه.. وهذا ما يُسميه البعض بـ: عِلم الباطن!
ولكن، هل يجب كتمان هذه الأسرار؟
يقول أهل تلك الأسرار: يجب كتمانها عمَّن لا يستحقها، أو مَن يُخشى عليه معرفتها..
أما الحقيقة فهي أن تلك الطرائف والدرر تحتاج إلى الإخلاص في طلب العِلم وإلى توفيق من الله، فيسلك الطالب في تلك المراقي والدرج ما شاء الله له ذلك، وهذا ما فعله علماء المسلمين معلِّمين ومتعلَّمين، وليست تلك العلوم حكراً على أحد بعينه، أو طائفة بعينها؛ كما ليس ثمة باطن للعقيدة يخالف ظاهرها فقد بُني الإسلام على أوضح الدعائم، وقد بيّن نبي الهدى ــ ص ــ كل حقيقة فكمل دينُ الله وتمت نعمته.
وبهذا البيان أختم هذه المقالة المتواضعة،