مسح المراقبون الساحة العراقية في المرحلة الراهنة مسحاً استقرائياً على واقع النشاط الخارجي، وكذلك الداخلي، فكانت نتيجة هذا المسح مرحلة يكتنفها الغموض وتداخل المواقف، حيث بات المشهد العراقي يشهد تحركاً ملحوظاً على الصعيد الخارجي، ومن الممكن في هذا الإطار الإشارة الى زيارة رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية الى بغداد، وتوقيعه مايسمى (مذكرة المجلس الاستراتيجي المشترك) مع حكومة المالكي، بينما ظل المشهد العراقي الداخلي لا يوحي ببارقة أمل، بعدما أخفقت “صولات” الحكومة الأمنية في الشمال (الموصل) والجنوب (البصرة والعمارة) والوسط (محافظة ديالى) في تحقيق الأمن المطلوب، فيما كان عنوان العمليات أو الصولات التي قامت بها الحكومة في الجنوب صراعاً على النفوذ والهيمنة بين الجماعات المنضوية في العملية السياسية بشقيها الرسمي (الحكومي)، وغير الرسمي (النيابي)، وهو أمر عده هؤلاء المراقبون صراعاً مكشوفاً على السلطة والنفوذ.
وأكثر ما لفت الانتباه هو المطلب الاستعراضي الذي تقدم به رئيس الحكومة نوري المالكي، والداعي الى أن تتضمن الاتفاقية الأمنية بين العراق المحتل واميركا بنداً يشير الى جدولة انسحاب قوات الاحتلال، وقد أكد هذا المطلب في وقت لاحق مستشار الأمن القومي موفق الربيعي، لكن المفارقة أن مثل هذه الدعوات والمطالب جاءت من الأشخاص المدعومين من اميركا، وهي اشارة انتبه إليها الخبراء الاميركيون الذين وصفوا هذه المواقف بالقول، إن المالكي أثار ضجيجاً بشأن الحاجة العراقية الملحة لوضع جدولة نهائية لخروج قوات الاحتلال الاميركي من العراق، وأضافوا ان المرء ليتساءل فيما إذا كان المالكي مخلصاً أو صادقاً في طلبه هذا، أم أنه يتهيأ بموقفه لانتخابات المحافظات الوشيكة في العراق.
إنّ كل التصريحات التي نطق بها المالكي مؤخراً رفضها المسؤولون الاميركيون من قبل، وهؤلاء فهموا طلبات جدولة مواعيد سحب القوات على أنها جزء آخر من المفاوضات التي تتعلق باتفاقية وضع قوات الاحتلال فقط، والتي يتوقع البيت الأبيض والبنتاغون الانتهاء منها قبل أن يلف الغروب إدارة بوش، ووفقاً لمصادر اميركية فإن الكثير من الجماعات المشاركة في العملية السياسية، ولاسيما الأكراد، ترغب في بقاء القوات الاميركية في العراق الى وقت غير محدد.
وعلى كل حال، تظل المراهنة الاميركية، وطبقاً لسيناريو خلط الأوراق الذي أعدته سلفاً الإدارة الاميركية، تركز على كل العناصر الفاسدة والمتورطة سواء كانت عسكرية أو مدنية للتحرك والحلول محل حكومة المالكي، خصوصاً وأن قائمة مطالب واشنطن في الاتفاقية لن يتم التنازل عنها في كل الأحوال وقبل الانتخابات الاميركية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، حسب رأي المحللين.