كثير من الناس يظن أن الدنيا انتهت، وأن القيامة قامت، وأن الإسلام قد انكسر فلا يستقيم له شأن، كل ذلك بسبب موت بعض المعظّمين لديه، من علماء أفاضل وشيوخ كرام، وهذا فهم خاطئ نتج عن جهل بحقيقة هذا الدين، فهذا الدين لا يرتبط بقاؤه ببقاء رجل بعينه أو رجال بأعينهم، ولو كان كذلك لانتهى بموت النبي صلى الله عليه وسلم .
ولقد كان القرآن صريحاً في تقرير هذا المبدأ، فبعدما أشيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل في بدر انكسر بعض المسلمين وتخاذلوا وظنوا أن الإسلام قد أتي من قبل الكفار، فعاتبهم الله على ذلك بقوله : " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) " سورة آل عمران .
قال ابن كثير رحمه الله: (( لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد، وقتل من قتل منهم، نادى الشيطان: ألا إن محمداً قد قتل، ورجع ابن قميئة إلى المشركين، فقال لهم: قتلتُ محمداً، وإنما كان قد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشجّه في رأسه، فوقع ذلك في قلوب كثير من الناس، واعتقدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل، وجوّزوا عليه ذلك، كما قد قصَّ الله عن كثير من الأنبياء عليهم السلام، فحصل ضعف ووهن وتأخرعن القتال، ففي ذلك أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم : " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ " أي له أسوة بهم في الرسالة وفي جواز القتل عليه .
قال ابن أبي نجيح عن أبيه: إن رجلاً من المهاجرين مرّعلى رجل من الأنصار
وهو يتشخّط في دمه فقال له: يا فلان! أشعرت أن محمداً قد قتل؟
فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل فقد بلّغ، فقاتلوا عن دينكم، فنزلت .
ثم قال تعالى منكراً على من حصل له ضعف: " أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " أي رجعتم القهقري " وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ "أي الذين قاموا بطاعته وقاتلوا عن دينه واتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم حيّاً وميتاً )) . (1)
فإذا كان هذا شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما الحال بغيره
ممن لا يساوي تفلةً في بحر بالنسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!