السيد المحرر المحترم:
استفزتني الرسالة التي نُشرت بعنوان ( ومن الحب ما..) على هذه الصفحة، تتهم المرأة بالغيرة العمياء، ومحاصرة الرجل دون وجه حق. ورأيت فيها ظلماً كبيراً لي ولبنات جنسي. إننا نعيش في مجتمع الرجل، ومتى كان الرجل أهلاً للثقة؟ دعني أتحدث بصراحة لا تقبل المهادنة، وأبدأ بنفسي، دون أن أدخل في المهاترات النظرية، عمّا خبرتُ ورأيتُ وسمعتُ.
كان لنا جارة لعوب، ترى أن الرجال لا أمان لهم، وأنهم مستعدون أن يلهثوا وراء أي عظمة تلوح في طريقهم (أعتذر عن هذا التعبير، جارتنا هي التي ترى هذا، لا أنا وهي، حتماً، لا تقصد كل الرجال) ولمّا عارضتها في رأيها وتحدّيتها، راهنتني أن توقع زوجي في أشراكها، وقبلتُ الرّهان.
وطلبتْ مني، ذات يوم، أن أحضر ، سرّاً، إلى بيتها. أخبرتُ زوجي أنني ذاهبة لأزور والدتي في الحي المجاور، ودخلت إلى العمارة المقابلة. واستقبلتني الجارة اللعوب، ورجتني أن أجلس وأسمع بنفسي. وبعد دقائق رنّ جرس الهاتف، فضغطتْ على زر في الجهاز، فأصبح الحديث مسموعاً للجميع. وفوجئت بصوت زوجي يدوّي في الغرفة المغلقة:
ـ مساء الخير ... حبيبتـي!
وكاد يغمى عليّ، لولا أن تماسكت، وضبطت أعصابي. وسمعتُ في ساعة كاملة، كلّ كلمات الغزل العذري والفاحش، التي أسمعني إياها زوجي في فترة الخطوبة، وبدايات الزواج، ثم انقطع، إلا في المناسبات، عن تكرارها. وفي آخر الحوار، حدّدت الجارة موعد لقاء معه في عزّ الظهيرة لليوم التالي، وأقفلت السمّاعة على أصوات قبلاته المفرقعة، وقالت:
ـ غداً سترين بنفسك!
واتصل بي زوجي، في اليوم الثاني من عمله، وأخبرني عن اجتماع طارىء هام في الدائرة، سيطول، ويتخلله غداء عمل.
وبعد مرور أكثر من ساعة على الموعد ذهبتُ إلى المكان المحدد، فوجدت زوجي يذهب ويجيء، في الظهيرة الحمراء، وهو يفرك يديه بقلق مقلق، يتلفتُ يميناً ويساراً، ويدور حول نفسه في حركات عصبية، وهو ينتظر تلك المرأة التي لن تجيء.
وفوجئ بظهوري المفاجئ أمامه، ولما سألته عما يفعل هنا، ارتبك، واحمرَّ واصفرّ واخضرّ، وتلعثم في الكلام وهو يقول:
ـ أنزلني المدير العام، ابن الحرام، وطلب مني أن أنتظره قليلاً.
وأسفت لهذا الرّهان الذي كلفني زوجي!
أحياناً أقف في الشارع دقائق، لأنتظر صديقة أو قريبة، تأخرت عن موعدها، فتقف لي السيارات، وأتلقى دعوات كريمة، وعروضاً سخية، وأسمع عبارات غزل كنتُ أتمنى أن أسمعها من زوجي.
يا إلهي! أكلهم ينتظرون مثل هذه الفرصة لاقتناصها؟ كم من النساء اضطررن، لأمر ما، أن يقفن أو يسرن وحيدات! كم من أطنان الكلام والغزل يلقى على مسامعهن! كم من الدعوات! كم من الآمال تُعقد على وقوفهن أو سيرهن! كم من الأحلام توقد في خيالات الرجال الحمقى، الحمقى فقط!
كثيراً ما تحدثني بعض صديقاتي عن رجل، أغلق الباب عليهن معه مصادفة، فتنهال الإغراءات: المال، الجاه، القوة. هكذا دون خجل، ودون أن يخطر في بال الرجل، لحظة واحدة، أن يفكر في هذا المخلوق البشري أمامه، في حقها، في حدودها، في حريتها المهدورة، في رغبتها الحقيقية، في رأيها فيه. قد أغلقتْ نزواته منافذ التفكير في رأسه، وأيقظتْ فيه رجولته العطشى، فعمي عليه كل شيء.
وتحدثني بعض صديقاتي عن رجال، يقتنصون لحظات خلوة بهن، فيسردون بعضاً من حياتهم الخاصة، ومشكلاتهم مع زوجاتهم، وعن الظلم الذي يلحق بهم معهن. ولا يخجلون من التعرّض إلى الكلام عن السرير صراحة ودون مواربة.
وتتحدث بعض المطلقات أو الأرامل من صديقاتي، اللواتي وقفن حياتهن على أولادهن، عن رجال من كل الأعمار والمستويات الاجتماعية، لا يرون فيهن سوى صيد سهل، فيعرضون خدماتهم، خدمات بلا حدود، دون مقابل! أحدهم تطوّع، يومياً، لغسل سيارة سهام، وآخر تعهد برعاية حديقة ليلى، وآخر تبرّع بمرافقة ولديْ منى إلى المدرسة صباحاً وإعادتهما ظهراً، وآخر ذو سلطة وعضلات تكفل بإبعاد كل الذئاب، على حدّ تعبيره، عن طريق سلمى، وآخر أرسل زوجته لخطبة أمينة، جارتهم الجميلة المطلّقة، لتصبح زوجته الثانية!
تتجاهل زينب تصرفات زوجها الطائشة، وهو لا يدري أنها تدري، حرصاً على بيتها وأولادها، آملة أن يستيقظ ضميره، فيكفّ عن نزواته، ويثوب إلى بيته، ويثوب معه الحب والأمان والثقة.
أميرة لاحظت تعلق زوجها الكهل بسكرتيرته الشابة، فما كان منها إلاّ أن خطبتها له بنفسها، ووقفت على خدمته، ليموت في أحضان زوجته الشابة الجديدة، وقد أصابته «رهقة» شهر عسل قصير قاتل.
ووقعت إيمان، وقد اشتد عليها المرض، بعض الأوراق البيضاء لزوجها، لتسيير معاملاتها في الدوائر الرسمية. وفوجئت بورقة الطلاق، تبعها، بعد أيام، حكم بإخلاء المنزل الذي كانت تملكه بعد أن أصبح ملكاً لمطلقها. وعلمت أنه يجري وراء امرأة من الوسط الفني.
وعادت فتحية من رحلتها، بعد غياب شهرين، في زيارة أهلها خارج البلاد، وفتحية تحمل إجازة في الآداب، فوجدت زوجها قد تزوج من الخادمة الأميّة التي لا تحمل أية مؤهلات جمالية!
صديقتي الشاعرة هيفاء استمعت للكاتب الروائي الكبير، بعد قراءته ديوانها الأخير:
ـ أنت امرأة حرة، تروحين وتجيئين، تختارين، عليك أن تكتبي كما لو كنت في غرفة نومك، عرّي نفسك، عبري عما لا تجرؤ امرأة على البوح به، فتحققي القفزة المطلوبة!
وجدت هيفاء دموعها تسيل على خديها، وقالت للكاتب الكبير وهي تنهض خارجة:
ـ أستاذ.. أنا شاعرة ولست عا...!
قرأتُ مؤخراً أن ممثلة قديرة وكبيرة سُئلت، بعد هذه الرحلة الطويلة، ومعرفة أصناف من الرجال، عن رأيها فيهم، فأجابت بملء فمها، وهي في غاية الرضا:
ـ كلهم أوغاد!
سيدي المحرر: كنتُ أحتاج إلى مجلدات، لأسرد كل القصص التي أعرفها، وعلى الرغم من ذلك، وعلى الرغم من الغضب الذي يجتاحني فإن علينا أن نقبل الحياة كما هي، حتى نغيّر ما بأنفسنا، وأنا على استعداد لتكرار الزواج، إذا تقدّم لي أحدهم وأعجبني. وأرجو أن يكون هذا بمثابة «إعلان» غير مدفوع الثمن! ورحم الله الذي قال: الرجل شرّ لابدّ منه!