صحوت من نومي فوجدت نفسي حزينا بلا سبب سألت نفسي : هل أغضبني أحد قبل أن أنام ؟ لا .. هل فقدت عزيزا فأحزنني فقده ، لا .. هل أغضبت صديقا فندمت على ذلك ؟ لا .. هل طعنني صديق في ظهري فآلمتني خيانته ؟ لا .
لماذا إذن هذا الحزن الشفيف الهادئ الذي يغلّف أحاسيسي في هذا الوقت من الصباح ؟ و لم أجد جوابا مريحا فسلّمت بأنها زيارة عابرة من هذا الرفيق القديم الذي يطل علىّ من حين لآخر فيطيل زيارته أو يقصرها حسب الظروف ثم ينصرف إلى حال سبيله .
و قد علّمتني تجاربي ان أحسن استقباله حتى يرحل عني بسلام .. و من وسائلي في ذلك ألا أسأله لماذا جاء .. و لا متى سيرحل إذ ليس من حسن الادب أن تسأل ضيفا حتى و لو كرهته لماذا جاء يزورك .. و إنما عليك أن ترحب به و أن تكرم وفادته و أن تتجاهل السؤال عن موعد رحيله إلى أن يهّم بالانصراف فتلح عليه في الرجاء بأن يبقى حتى موعد الغداء .. فيعتذر .. و ترجو فيعتذر ثم تضطر آسفا إلى قبول اعتذاره .
هكذا جلست معه أحتسي القهوة و أفكر .. ثم استأذنته بعد قليل في سماع شئ من الموسيقى يناسب المقام .. فانسابت أنغام قطعة من الموسيقى الشرقية التي تثير الشجن .. إلى أن بدا عليه أنه يهم بالقيام فألححت عليه في الرجاء بأن يتفضل بقبول دعوتي للغداء و ربما للعشاء أيضا لكنه اعتذر بأنه مرتبط بموعد هام فودعته حتى باب الشقة و اعتذرت له بأن المصعد مازال معطلا و وقفت على السلم أودعه ثم خطر لي و قد أصبح خارج منزلي أن أتجاوز حدود اللياقة قليلا معه و أسأله عن سر زيارته المتكررة لي في الفترة الأخيرة خاصة في الصباح فاستند إلى " الدرابزين " و قال لي بكبرياء : إنني لا أزور أحد بغير دعوة ..
فقلت : و هل دعوتك ؟
قال: نعم ! ، قلت : كيف و أنا لم أتصل بك و لا أعرف لك عنوانا ؟
فقال : دعوتني في كل مرة زرتك فيها بغير اتصال حين تتجمع داخلك سحب الاكتئاب و تضيق ببعض ما تراه فلا تنفّس عن نفسك بإعلان ضيقك و حين تكتم مشاعرك لكيلا تغضب الآخرين و حين تمضي نهارك و ليلك بين الأوراق و المشاكل لا ترفع رأسك إلا لتتحدث في عمل .. و لا ترى في الشوارع إلا الطريق من بيتك إلى عملك و بالعكس ، و من الدنيا إلا أصحاب المشاكل و المهمومين ،