الإطار التفسيرىلعلاقة مصر بإسرائيل

الاضطراب فى مواقف مصر العربية هو انعكاس للأزمة التى تعانيها مصر فى مواقفها العربية مع استمرار علاقتها بإسرائيل. فعند العدوان الإسرائيلى على لبنان لم تدن مصر العدوان بل أدانت حزب الله واتهمته بالعدوان على إسرائيل داخل الخط الأزرق، وبذلك بدت مصر فى نظر إسرائيل قمة فى الموضوعية واتباع الحق، وهو الموقف الذى لقى رضا الغرب عموماً بينما لقى استغراب المراقبيين العرب، لكنه للحق لم يفاجئنى الموقف بقدر ما فاجأنى إعلانه منذ البداية وكأن هناك رغبة فى أن يؤثر على نتائج العدوان.
من مظاهر الاضطراب جزء من الموقف السلبى أحياناً وحرفياً من حماس، وكأن الاستقطاب صار بين حركات المقاومة والنظم العربية تقريباً، بعد أن كان الاستقطاب بين المقاومة والنظم من ناحية، والعدو المحتل والمعتدى والغاضب من ناحية أخرى. ومظاهر الاضطراب لا حصر لها فى عشرات المواقف، ولكننا نؤسس لهذه الظاهرة بعدد من الأمثلة الظاهرة. أول هذه المظاهر أن مصر لا تستطيع أن تفتح معبر رفح أمام مواطنى غزة خشية رد الفعل الإسرائيلى، وتتحمل الاتهام بالتواطؤ مع إسرائيل ضد أهالى غزة وهو اتهام ثقيل، ولكن الأمر الظاهر هو أن برنامج الإبادة الإسرائيلية لغزة يمكن أن يفشل لو فتح المعبر حتى يفلت أهل غزة من الحصار الخانق، وتخاطر مصر بفتح المعبر سويعات لأكثر المرضى حاجة ومن فى حكمهم، حتى يكون هذا السماح إراحة للضمير وتخفيفاً للغضب الشعبى فى مصر وفلسطين. ونحن جميعاً نتذرع خوفاً بالكثير التافة والخوف من عقاب إسرائيل، ونفضل أن نرى الكارثة فى غزة تتفاعل وتتفاقم. من هذه المظاهر ما نقرأه فى الصحف القومية وماتنشره هذه الصحف باليقين والفخر بأن مصر "نجحت" فى اكتشاف متفجرات وأسلحة وأنفاق تربط سيناء بغزة عبر 12 كيلو مترا هو عرض الحدود بين مصر وفلسطين فى هذه المنطقة. والسبب فى هذا الموقف المصرى هو أن مصر تريد أن تثبت لإسرائيل إخلاصها فى مقاومة المقاومة ضد إسرائيل مادامت مصر لا تعترف بالمقاومة وإنما تعترف فقط بالسلام الفارغ القائم على توزيع الوهم وهى تدرك جيداً أن إسرائيل لا تتبرع بشئ للفلسطينيين تقربا إلى الله خاصة وأن أحبار اليهود يؤكدون أن إلههم ليس إله بقية الناس، وهو الذى ميزهم على غيرهم من سائر المخلوقات.
أما السبب الثانى للموقف المصرى فهو شعور مصر الرسمية أن قوة حماس هو ضعف لأبو مازن، وهذا يخالف الخط الرسمى العربى الذى فرضته كوندا ليزا رايس فى جلسات التلقين التى تعقدها مع وزراء خارجية الدول الثمانى العربية.
ومصداقا لذلك اختفت كلمة المقاومة فى الخطاب السياسى العربى الرسمى بينما تتدافع الشعوب لدعم المقاومة. وحتى بعد اتهام داعمى المقاومة بالإرهاب، وحتى بعد توقف المقاومة بسبب المواقف العربية، فإن سكوت النظم العربية على إبادة الشعب الذى لم يعد يقدر على المقاومة هو مساهمة فى خطة الإبادة.
أما السبب الثالث لموقف مصر فهو قلقها من قوة حماس المحسوبة حكومياً على الإخوان المسلمين، وربما أدى هذا الجانب إلى انطلاق الأبواق الرسمية والإعلامية فى حملة مسعورة على حماس "والمحظورة" وإيران ومن يجاورهم جميعاً فى خلط غريب للأوراق، وهو بالضبط مع ما تريده إسرائيل. المظهر الثالث للأضطراب هو سكوت مصر على الإهانات المتكررة والاعتداءات الهمجية على المصريين داخل سيناء والتساهل فى الدخول والخروج فى سيناء مع الإسرائيليين، وربما سبب ذلك هو تحاشى مصر استفزاز إسرائيل حتى لا يستفز البيت الأبيض فيشدد النكير على مصر الرسمية بما يحرجها أمام مصر الشعبية. ورابع هذه المظاهر هو حالات المجاملة والتعاون على حساب المصلحة المصرية لنفس السبب وأخطرها فضيحة مد إسرائيل بالغاز وتمكين الإسرائيليين من الزراعة المصرية والسد العالى وهما من مواطن الأمن القومى المصرى خاصة وأن إسرائيل لا تكف عن التفكير فى الإضرار بمصر وسبق لأحد وزرائها أن هدد بإغراق مصر بضرب السد العالى بالقنابل الذرية.
صحيح أن إسرائيل وأمريكا توقعتا بعد توقيع اتفاقية السلام أن تتحالف مصر مع إسرائيل ضد البيئة المناهضة لإسرائيل وألا تسمح مصر باستخدام أراضيها منها أو من غيرها لتهديد أمن إسرائيل مما يعنى أن مصر قد اختارت بين العرب وإسرائيل، اختياراً تعاقدياً الجانب الإسرائيلى. ولكن مصر توسعت فى التزاماتها لصالح إسرائيل.
إننى آمل أن تجرى مصر مراجعة شاملة لعلاقاتها مع إسرائيل طوال الثلاثين عاماً الماضية وأن تحدد هويتها وما تطلبه هذه الهوية العربية، فضلاً عن التمسك بمصالحها العليا التى تأتى التساهل مع الابتزاز الإسرائيلى.

احلا نسمه ربيع
اغلا زمرده