تنتمي صورة الصحافة في مسلسل «بعد الفراق» للمؤلف «محمد أشرف» والمخرجة «شيرين عادل» إلي عالم خيالي لا يوجد سوي في مخيلة المؤلف، فالصورة التي يقدمها المسلسل للصحافة القومية والصحافة الخاصة لا وجود لها في الواقع، ولا تدل الصورة التي رسمها السيناريو علي رصد أو تحليل حقيقي لحال الصحافة المصرية المعاصرة، وهي حال مليئة بالفعل بالايجابيات والسلبيات.المسلسل يقسم -بسذاجة شديدة -
الصحافة الخاصة إلي نوعين الأول يعمل من أجل المنفعة الشخصية، وهو واضح وصريح في أنه يستغل العمل الصحفي من أجل المنفعة الخاصة حتي لو كانت علي حساب السكوت عن الفساد المؤكد بالوثائق والمستندات، وهو الجانب الذي يمثله الصحفي ورئيس التحرير «حسام» الذي يقوم بدوره «طارق عبد العزيز»، والنوعية الأخري من الصحافة الخاصة كما ينسجها السيناريو لا تختلف كثيراً عن الأولي في نفعيتها ورفعها شعارات زائفة وادعاء البطولة كذباً وهي التي يمثلها الصحفي الخبيث «خليل هاشم» الذي يتخفي خلف الشعارات الرنانة لنفس الغرض، أما نموذج الصحافة القومية في المسلسل فهو نموذج يكاد ينتمي للمسلسلات الدينية حيث يبدو رؤساء تحرير الصحف القومية مثاليين للغاية ويتحدثون كأنهم من أولياء الله الصالحين رجال أطهار يمتلكون الحكمة والأخلاق، ويحملون مهنة الصحافة كرسالة مقدسة يحرصون عليها، ويكفي أن نقرأ الحوار اللآتي الذي يدور علي لسان «ربيع قاسم» وهو رئيس تحرير صحيفة قومية كبري حينما يطلب من «خالد صالح» الصحفي الذي يجمع بين الكتابة في الصحيفة القومية وصحيفة خاصة أن يترك العمل بالصحيفة الخاصة حيث يقول في حواره معه بالحلقة الحادية عشرة من المسلسل: «أنا عاوزك تسيب الشغل عند خليل هاشم.. لأنه من مدرسة صحفية مختلفة عن اللي انت اتعلمته في الجامعة واللي اتربيت عليه هنا في الجريدة.. الصحافة المحترمة يا يوسف اللي تنشر الحقائق وتحللها بموضوعية دون المساس بالأشخاص.. إيه اللي يرميك في حضن ناس زي دول.. حتكسب دلوقتي وتخسر كتير بعد كده». من الواضح أيضاً أن سيناريو المسلسل لا يستطيع نسج تفاصيل العمل الصحفي بصورة صحيحة علي الإطلاق، ففي نفس الحلقة يعطي «خالد صالح» رئيس تحرير الصحيفة الخاصة المقال المهم والوثائق، فيخرج الأخير من جيبه ما يعطيه له كأنها عملية شراء مناديل ورقية، وتنتشر في المسلسل مشاهد هزلية للصحفي المبتدئ الذي يكتب المقال ويفاجأ به منشوراً بتوقيع رئيس تحرير الصحيفة الخاصة، وخرافة رئيس تحرير الصحيفة القومية الذي يتغير لأنه وصل لسن المعاش، ولا يبدو ان مؤلف المسلسل قرأ شيئاً عن رؤساء التحرير الذين عمّروا في المنصب ولا قضايا الفساد التي طالتهم بعد خروجهم من مناصبهم، وهي قضايا تختلف عن تلك التي يتعرض لها الصحفيون بالصحف الخاصة نتيجة مواقفهم المشرفة في مواجهة الفساد، في جهل واضح وفاضح بطبيعة الصحافة المصرية المعاصرة وطبيعة العمل الصحفي في مصر.
من المؤسف أن «خالد صالح» وافق علي الاشتراك بالتمثيل في سيناريو بهذا الشكل رغم أنه كنجم احتك كثيراً بالصحافة الخاصة، ويعلم أن الكواليس التي كتب عنها المؤلف خيال لا علاقة له بالواقع، فخالد صالح نفسه واحد من النجوم الذين ساهمت الصحافة الخاصة في تسليط الضوء علي نجوميتهم الحقيقية.