Queen .
عدد المشاركات : 12940 الدولـــــة : نقـــــــاط : 0 تاريخ التسجـيل : 19/04/2008
بطاقة الشخصية احترام قوانين المنتدى: (100/100)
| موضوع: شيطان الوحدة الخميس أكتوبر 16, 2008 11:10 am | |
| هل تشعل سيجارة ؟ إنها لا تحب التدخين .. لكنه عمل قد يضيع بعض الوقت ؟ .. ألا يوجد شيء آخر يضيع الوقت ؟ .. بلى أشياء كثيرة لا تحصى لكنها وحيدة تملّ من كل شيء فقد عزفت قليلا على البيانو و هنأت نفسها على التقدم الذي أحرزته نتيجة التدريب الدائم .. غرزت بعض الخيوط في قطعة التطريز التي ستنهيها لتقدمها مفاجأة إلى ابنتها . أنهت باكرا عملها المنزلي .. و الطبخ ما زال الوقت مبكراً جداً لتبدأ به فالأولاد لا يعودون إلى المنزل قبل الخامسة أو السادسة مساء و الساعة ما زالت تقارب العاشرة و النصف . بعد أن أشعلت السيجارة عادت و أطفأتها ثم لبست معطفها و حملت مظلتها و توجهت نحو الباب ، أقفلته و سارت قدماها في الطرق الذي اعتادته . المطر ينهمر و البرد قارس لكن لا بأس قد يكون مشوار كهذا دواءً ناجعاً في يوم مملَ .. المشكلة ذاتها تتكرر كل يوم .. الأفكار نفسها عادت لتتخبط في ذاكرتها مع قدميها التي تتخبط في الماء و الوحل . تستيقظ من الصباح الباكر لتحضر لأولادها الفطور .. لكلَ ما يحب ، طبعا باستطاعتها أن تتركهم يحضرون طعامهم بأنفسهم إذ لم يعودوا صغاراً لكنها إذا فعلت و تأخرت في الاستيقاظ فمعنى هذا أنها لن تجد أحداً منهم في البيت و بالتالي لن تفتح فمها طوال اليوم فهذا البلد الجميل اللعين لا مكان فيه إلاَ للعمل الروتيني ، لا جارة و لا فنجان قهوة ، ولا « صبحّية » كل يسعى إلى عمله مبكرا .. - صباح الخير ..- صباح الخير كيف حالك - بخير شكراً ..وتابعت طريقها دون أن تكلف نفسها حتى مشقة السؤال عن العائلة ، أو ماذا تفعلين ؟ أو تفضلي .. يا لها من جارة .. و قالت في نفسها .. لماذا ألومها هذا تفكيرهم ..لا بد أنها تسعى الآن لإتمام عمل ما في بيتها . لو كانت الآن في بلدها لوجدت ألف بيت و بيت تذهب إليه ، لوجدت ألف حبيب يطرق بابها ليسأل عنها ، أمّا هنا فلن تتوقع أن يطرقه إلا بائع الحليب مرة في الأسبوع ليقبض ثمن الحليب و ساعي البريد إذا كان هناك بريد مسجل .. وصلت إلى محطة القطار .. ها هو الساعي .. حسنا ستحاول أن تتحدث إليه علّها تجد السلوى . - صباح الخير ..- صباح النور ،كيف حال العائلة ؟ - اوه .. شكراً الجميع بخير .. - هل السيد ما زال مسافراً .. يبدو أن رحلته طويلة هذه المرة .. - فعلا حتى أنك لاحظت ذلك مع أنك لا تراه كثيراً فهو دائم السفر .- حقاً أنني لا أراه لكن عندما يكون مسافراً أراك باستمرار أليس كذلك ؟ عفواً الهاتف يرن . كم هو مزعج هذا الهاتف .. ألم يجد غير هذا الوقت ليرن .. فقد وجدت من تتحدث إليه لكن لا بأس هذا هو القطار قد وصل . جلست كالمعتاد قرب النافذة و راحت نظراتها تتابع المناظر الجميلة التي تعلمتها عن ظهر قلب .. حتى أنها بدأت تتناسى جمالها و عادت أفكارها تتخبط .. حتى عامل القطار هذا لاحظ وحدتها .. صحيح أنه قد مضى على وجودهم في هذا البلد عدة سنوات .. و صار الجميع يعرفهم .. لكن هذا لا يمنع بأنه قد لاحظ ذلك .. في بعض الأحيان تستطيع السيطرة على أعصابها و أفكارها فتضبطها و تقضي يوماً مريحاً و سعيداً تنسى فيه وحدتها تنتقل من عمل إلى آخر و يمضي النهار و لكن في معظم الأحيان لا تستطيع ذلك و ما يزيد الأمر سوءً أن لا أحد يشعر بها .. على العكس يحسدونها على الحياة المريحة التي تعيشها ، كل يقول لها لماذا أنت مستاءة فلا هم ّ عندك ولا واجبات تنتظرك تستطيعين أن تفعلي ما يحلو لك .. لو أنهم يدركون الوحدة و الملل اللذين يتملكانها .. يعودون في المساء كلّ إلى غرفته فهو قد قضى يوماً متعباً جداً و لا يحس بأي استعداد للحديث و الدردشة و حتى الضحك و أكثر الأيام حظاً بالنسبة لها عندما يجتمعون معا لتناول العشاء فيخبر كلﱡبطريقة مختصرة ما حدث معه و قد يسألونها كيف أمضت يومها لكن دون استعداد لتلقي أي تأفف أو حتى تفاصيل . ويبدأ الليل باكرا لتعود معه المشكلة ذاتها .. ( التلفزيون ) مملَ دون أن تجد من يشاطرك حضور المسلسل أو البرنامج المضحك فتهزأ من نفسك و أنت تضحك وحدك ثم إنّ الجلوس في تلك الغرفة الكبيرة مع صوت الأشجار في الخارج و رذاذ المطر ليس باللذة الكبرى .. فتصعد إلى غرفتها .. تندس في فراشها تحت الغطاء السميك علّها تحس بالدفء و لكن من أين ؟ من أين تأتي بدفء النفس فالحبيب ليس بقربها يحيطها بذراعيه و يلقي على مسامعها كلاماً يشعل النار في الجسد ، أو حتى يسمعها نكتة تضحكها حتى التعب فتدفأ .. أو تستمع إلى انفعاله وهو يحدثها عن عمله و مشاكله فتشاركه الانفعال و تدفأ . ها هي وحيدة .. و الهاتف اللعين لا يرن لتستمع إلى صوت حبيبها .. أفكارها الباردة لا تسمح لها بأن تمسك كتاباً و تفهم معنى جُملِه .. ها هو القطار قد وصل إلى المحطة التالية .. فتحت الباب و نزلت .. ألقت التحية على عامل المحطة .. أعطته التذكرة و خرجت من المبنى .. بعد أن فتحت مظلتها وقفت أمام الشارعين .. إلى أين ستذهب فهي ليست بحاجة إلى شيء معين .. هل تذهب من هنا ؟ لا.. لا .. هنا لا يوجد إلاّ محلات الثياب و الأحذية و قد ملّت من رؤية الواجهات و التجول في المحلات و كم من مرة اشترت أشياء دونما حاجة إليها عندما تحس بالخجل من عاملة المحل التي تتعرف عليها من كثرة زيارتها للمحل . إذن من الشارع الآخر .. أيضا لا .. هذا الطريق يأخذها إلى المحطة الثانية التي تضج بالناس و التلامذة كل يسعى راكضا إلى عمله فتضيع وسط الزحام . لو كانت في بلدها .. لعرفت نصف الناس و سرت برؤية وجوه تعرفها . إذن ؟ ها هي قد توجهت في الطريق المقابل للشارعين .. هذا الطريق يأخذها إلى الحديقة .. وحيدة ؟ لا بأس .. كل من يسمع عن حياتها و طريقة عيشها يحسدها و يتمنى لو كان مكانها .. فهي تستطيع فعل ما يحلو لها .. الحصول على ما تريد .. شراء ما تشتهي .. الجميع يحبها و الجميع يريد راحتها .. لكن لا أحد يفهمها .. يشعر بالذي يتعبها و يقضي على انطلاقة إشراقتها .. كم من مرة حاولت أن تشرح لهم .. كلّ يقول لها أنها تبالغ .. لو كانت مكانها أية امرأة لشكرت الله ألف مرة على الراحة التي تتمتع بها .. فهم يذهبون معها إلى السوق مرة في الأسبوع مساء بعد عودتهم بشكل دوري لتأتي بأغراضها حتى لا تضطر إلى حمل أشياء ثقيلة تتعب يديها و كتفيها .. زوجها موجود في البيت بشكل مستمر عندما لا يكون مسافراً .. فماذا تريد بعد ؟؟ لقد نسوا أشياء كثيرة . جلست على مقعد أمام النهر تحت مظلة كبيرة و ضمت ياقة معطفها حول رقبتها . لقد نسوا أنّ مقابل الأحد عشر يوماً التي يقضيها والدهم في البيت هناك عشرون يوماً تقضيها وحيدة يتصل بها كل يوم ليطمئن عنها و يدردش معا و يخبرها مستجدا ته .. حتى أيام وجوده ... الأيام الأولى لوجوده يرتاح فيها من عناء السفر الطويل و تعويض ما فاته من الراحة و النوم و الأيام التالية يكثر العمل للتحضير للسفرة التالية إلى جانب التفكير بالاستقرار و التحضير للمستقبل . حتى الطعام .. كم هو مزعج و منفر أن تضع المائدة لتجلس و تتناول طعامك بمفردك .. طبعا تستغني عنها بلقمة تسد الرمق .. ومن ثم القليل مع هذا و القليل مع ذاك فيختل التوازن .. حتى هذه الأفكار هي نفسها دائما فقد ملّت منها.. يجب أن تتخلص منها .. أن تسيطر على هذه الأيام الملبدة بالغيوم السوداء .. أن تمتلك رياح إرادة قوية تدفع هذه الغيوم لتنقشع عن سماء زرقاء صافية تضم الكون و الأرض بحنان . نعم هذا هو القرار الحكيم .. أن تنسى هذه الأفكار .. أن تبعدها كلما حاولت الاقتراب .. أن تشغل نفسها بأشياء أخرى .. كمن يحاول الابتعاد عن التدخين .. من أين ستنطلق هذه الرياح ؟؟ و من أين ستستمد قوتها .. يجب أن تجد لها منطلقا .. قامت مجدداً و فتحت مظلتها و عادت تتابع مسيرها .. لكن هذه المرة كانت خطواتها مختلفة .. كانت تمشي بعزم .. بخطى تحمل كل معاني الأمل و الاندفاع .. نعم يجب أن تقتل هذه الأفكار .. يجب أن تقتنع بأنها مخطئة في كل هذا .. أن تأخذ الموضوع و المشكلة من جوانب أخرى .. من جوانبها المضيئة فلا بد أنها ستكون مرتاحة أكثر .. مثلا أن تكثر من أصدقائها الصامتين و تخصص لكل منهم وقتا معينا أن تنوع اهتماماتها .. أن تغير نوعية الكتب التي تقرأها .. أن تتجه إلى العزف .. بمقطوعات صاخبة مليئة بالأمل و الحياة و تبتعد فترة عن السيمفونيات و الألحان العاطفية .. أن تعتبر ترتيب المنزل و إعداد الطعام و الاعتناء بالحديقة كما لو أنها وظيفة رسمية و أن تعتبر ابتسامتها و روحها المرحة و تحمل أعباء الأولاد و حتى كلامهم القاسي عملا إضافياً .. و هكذا ستجد الأشياء تنبع دون إنتهاء و حبها للأولاد و المنزل سيطغي على كل شيء فهو منزلها و هم أولادها قطع من قلبها و هو قطعة قلبها الكبرى فكيف لها أن تستاء و لو قيد شعرة من بُعده و من تصرفاتهم .. لكنه الشطان اللعين . لقد وصلت إلى البيت .. لم تحس كيف وصلت إلى المحطة و ركبت القطار .. عيناها لم تلاحظا الطريق .. أذناها لم تسمعا صافرة الانطلاق و صافرة الوصول .. أعطت التذكرة للساعي دونما كلمة .. لم تنتبه إلاّ و هي في عشها الافىء .اوه كم هو جميل الآن .. كم أحبته . خلعت معطفها و حذاءها المبتلين و راحت تدور و تدور فاتحة يديها .. و صعدت إلى الطابق العلوي دخلت كل الغرف .. لقد اختلف البيت . أسرعت إلى غرفة الجلوس حيث تركت السيجارة في المنفضة فأخذتها و رمتها في سلة المهملات كمن يرمي لحظات مرّة و كأنها تقول لها ... اذهبي إلى غير عودة أيتها السوداء .. و عادت إلى ( البيانو ) تعزف لحناً .. سعيداً جداً . و إذا بالهاتف يرن .. كم هو دافئ اليوم صوته .. و كأنه تغير .. لا هي التي تغيرت .. عادت إلى العمل و بدأت بتحضير الطعام و هي تدندن أغنية تحبها . الباب فتح .. نظرت إلى الساعة .. الأولاد بدأوا بالعودة .. لقد مضى النهار سريعاً .. كل شيء تغير . اذهب إلى الجحيم يا شيطان الوحدة . وضميني إليك يا شمس المحبة و الهناء فالعالم كله يتغير .. البرد ينقلب دفئا .. و الوحدة تصبح راحةً .. و الظلام ينقشع نوراً ..و هدير الرياح يتحول إلى موسيقى عذبة تدفئ و تغري بنوم هادىء . [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] | |
|
فـلـسـطـيــن .
عدد المشاركات : 440 العـــــــمر : 36 الدولـــــة : نقـــــــاط : 27 تاريخ التسجـيل : 13/10/2008
بطاقة الشخصية احترام قوانين المنتدى: (100/100)
| موضوع: رد: شيطان الوحدة الأربعاء أكتوبر 22, 2008 1:06 am | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة رائعه ومسليه شكرا على طرحها
اختكم فلسطين من فلسطين المحتلة | |
|
Queen .
عدد المشاركات : 12940 الدولـــــة : نقـــــــاط : 0 تاريخ التسجـيل : 19/04/2008
بطاقة الشخصية احترام قوانين المنتدى: (100/100)
| موضوع: رد: شيطان الوحدة الأربعاء أكتوبر 22, 2008 3:47 am | |
| | |
|
مجلة العرب الثقافية .
عدد المشاركات : 24244 الاوسمــــة : الدولـــــة : نقـــــــاط : 163 تاريخ التسجـيل : 14/04/2008
بطاقة الشخصية احترام قوانين المنتدى: (100/100)
| |
صــــــادق .
عدد المشاركات : 11958 العـــــــمر : 114 الاوسمــــة : الدولـــــة : نقـــــــاط : 82 تاريخ التسجـيل : 14/04/2008
بطاقة الشخصية احترام قوانين المنتدى: (100/100)
| موضوع: رد: شيطان الوحدة الأحد نوفمبر 02, 2008 9:44 am | |
| | |
|
Queen .
عدد المشاركات : 12940 الدولـــــة : نقـــــــاط : 0 تاريخ التسجـيل : 19/04/2008
بطاقة الشخصية احترام قوانين المنتدى: (100/100)
| موضوع: رد: شيطان الوحدة الأحد نوفمبر 02, 2008 1:24 pm | |
| | |
|
Queen .
عدد المشاركات : 12940 الدولـــــة : نقـــــــاط : 0 تاريخ التسجـيل : 19/04/2008
بطاقة الشخصية احترام قوانين المنتدى: (100/100)
| موضوع: رد: شيطان الوحدة الأحد نوفمبر 02, 2008 1:26 pm | |
| | |
|