هذا زمن الكلام..

مدينة عربية اخرى تتشح بالسواد وتغطي سماءها سحب الدخان وألسنة اللهب ،فقبل سنتين كانت بيروت هي الهدف للقنابل الذكية للمرة الثانية في تاريخها المعاصر،فقد سبق ان دمرت الطائرات الاسرائيلية معظمها في العام 1982، قبل ان تأخذ الدور عنها بغداد في العام 1991 وما تلاها من سنوات الحصار والقصف بصواريخ توماهوك وصولا لسنة الاحتلال في العام 2003 ،وفي العام 1986 تفرجنا على صور الدمار الذي الحقته الطائرات الاميركية بطرابلس الغرب ،الآن حان دور غزة وقد يكون من الحكمة توقع المدينة العربية التالية كي نستعد للتظاهر وتجهيز اليافطات والشعارات..!.

الواضح اننا امة لا تتعلم من التاريخ ولا يشكل الماضي بالنسبة لها غير تسلية سهلة لم نعد نقرأها وانما نشاهدها على شكل افلام وثائقية يعدها الغرب نيابة عنا فنترجم تاريخها الى العربية ونقدمه للاجيال مدموغا بخاتم موثوق لماركة مسجلة، ومع ذلك لا نتعلم حتى من معاناتنا وجثثنا ودمائنا التي تستباح في مدننا وبين بيوتنا وعلى اسفلت شوراعنا، فمتى هددت اسرائيل بارتكاب جريمة وكذبت، ومتى هددنا بالرد وصدقنا؟ هذا هو السؤال الذي ننساه شعوبا وانظمة سياسية فلا نفيق الا وقد حدثت الضربة وتضرجت الجدران المهدمة بدماء شهدائنا وتعالت صافرات سيارات الاطفاء والاسعاف، كل شيء ظل على حاله منذ مجازر دير ياسين والطنطورة وقبية والعشرات غيرها ،حتى ان بيانات البيت الابيض لم تتغير فعندما دمرت الطائرات الاسرائيلية المساكن على من فيها في بيروت قبل أكثر من ربع قرن حمل البيت الابيض منظمة التحرير الفلسطينية المسؤولية، وعندما دكت الصواريخ المدمرة ضواحي بغداد ومنها ملجأ العامرية على من فيه من اطفال ونساء قبل ما يقارب العقدين من الزمن حملت قيادة القوات الاميركية المسؤولية لنظام صدام حسين حيث كان يعتقد ان صدام يختبئ في الملجأ وما دامت التقديرات توقعت ذلك اذن فصدام مذنب في الخطأ الذي حدث، وعندما القت الطائرات الاسرائيلية بقنابلها الذكية فوق مباني ضاحية بيروت الجنوبية قبل عامين فهدمتها فوق رؤوس قاطنيها قال البيت الابيض ان حزب الله يتحمل المسؤولية عن سقوط المدنيين، والآن ها هو البيت الابيض يحمل المسؤولية لحركة حماس في سقوط كل هذا العدد من الضحايا..!.

تغيظنا البيانات والتصريحات ومع ذلك ننتظرها بفارغ صبر وكأنها ستنقلب بقدرة قادر لصالحنا ويكف البيت الابيض عن تحميل الضحية مسؤولية موته المؤثر على قارعة الطريق او امام كاميرات التلفزيون، ومع ذلك لا نتعظ، ولعل من الغرائز البشرية الطبيعية ان يعود الانسان الى حساباته كي يعرف من اين جاءه الخطر، ثم بعد التجربة الاولى او الثانية يستطيع ان يعرف متى يأتيه الخطر، اما بعد سلسلة تجارب مميتة فمن الطبيعي ان يعرف مصدر الخطر وحجمه وبدايته ثم نهايته وبالتالي يكون مستعدا للتعامل معه ،فما الذي تعلمناه يا ترى من حاضرنا الغابر وليس من التاريخ ما دام التاريخ درساً صعباً ولا يمكن تذكره ولا حتى فهمه..!.

لا شيء ابداً، حتى اننا مازلنا نكرر نفس التحليل السياسي وكلاشيهات الاخبار الصحفية وصيغ بيانات التنديد، كيف لا والعدو هو نفسه لم يتغير والضحايا هم انفسهم تتكرر اسماؤهم وحتى وجوههم على شاشات التلفزة ومن تخطئه الغارة الاولى لا بد سيسقط في الغارة التي تليها او بعد عشرين غارة يختار العدو زمانها ومكانها، اما نحن فنبقي على جراحنا مفتوحة كي نلعقها كلما سمعنا خطابا مؤثرا او اغنية وطنية...

يعطيك العافيه

يعطيك العافية على الموضوع

يعطيك العافيه