من الأحداث المهمة في تاريخ الإسلام ، والتي جرت في شهر رمضان المبارك من سنة 559هـ معركة حارم ، وكان وقت وقوعها وقت فرقة وشتات وفتن تعصف بالمسلمين وتفرِّق شملهم ، فملوكهم وأمرائهم في قتال مستمر فيما بينهم ، يغزو بعضهم بعضا.
، ويفتح أحدهم بلداً فيخرجه الآخر منها ، وهكذا دواليك ، والأعداء من الإفرنج يأكلون في بلاد الإسلام أكلاً ، ويتربصون بأهلها الدوائر ، فيأخذون بعض البلاد عنوة ، وبعضها بمساعدة الحكام الخونة .
ورغم هذا الواقع المؤلم الذي تعيشه الأمة ، فإنه بين الحين والآخر كانت تظهر مواقف مشرفة، تعيد للأمة عزتها وتذكرها بمجدها ، من تلك المواقف انتصار المسلمين على الإفرنج في موقعة حارم ، وحارم حصن حصين في بلاد الشام ناحية حلب ، وحاصل تلك الوقعة أن نور الدين محمود بن زنكي – والي الديار الشامية والمصرية – استغل خروج الروم من عسقلان لقتال أسد الدين شيركوه بمصر ، فاستغاث بعساكر المسلمين فجاؤه من كل فج لمقاتلة الإفرنج ، فالتقى الجمعان في منطقة حارم ، وجرت بينهما معركة كبيرة ، كانت حصيلتها أن أسر المسلمون عددا من قادة الصليبيين ، منهم البرنس بيمند صاحب إنطاكية ، والقومص صاحب طرابلس ، والدوك صاحب الروم ، وابن جوسليق . وقتل منهم مقتلة عظيمة قيل عشرة آلاف وقيل عشرون ألفا ، وكانت وقعة حارم بحق كسرة عظيمة للإفرنج حيث هزموا شر هزيمة، وكتب الله النصر لعباده المؤمنين ، وقد أعادت تلك الواقعة للمسلمين الهيبة في قلوب أعدائهم ، تلك الهيبة التي أذهبها تناحر المسلمين وتقاتلهم فيما بينهم .
وهكذا تبعث هذه الانتصارات الروح في جسد الأمة المترهل ، فتأتي هذه الانتصارات لتعلم المسلمين دروسا في أهمية الاجتماع ونبذ الفرقة ، والوقوف صفا واحدا في مواجهة الأعداء ، وإلا فإن العدو سيأتي علينا جميعاً ، فإما أن نحيا جميعا حياة العز والإباء ، وإما أن نموت جميعاً موت الذل والمهانة ، إنها دروس الزمان التي يجود بها علينا ، ويذكِّرنا بها ، بين الفينة والأخرى ، لو كان هناك آذانٌ تسمع ، وقلوبٌ تعي ، نسأل المولى عز وجل أن يردنا إلى ديننا ردا جميلا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين .