هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أكمل الهدي ، وحياته كلها موضع للأسوة والقدوة.
قال الله :{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً } (الأحزاب 21) ، وفي الأسطر التالية نقف وقفة يسيرة مع شيء من هديه عليه الصلاة والسلام في شهر رمضان المبارك .
كان النبي صلى الله عليه وسلم أول الأمر يصوم عاشوراء قبل أن يفرض عليه صيام رمضان ، وذلك حين قدم المدينة فوجد اليهود يصومون عاشوراء ، فصامه وأمر الناس بصيامه وكان صيامه واجباً ، فلما فرض رمضان صار صوم عاشوراء سُنَّة ، من شاء صامه ومن شاء تركه ، وقد صام صلى الله عليه وسلم تسعة رمضانات ، أولها في السنة الثانية التي فُرِضَ فيها الصوم .
وكان من هديه أن لا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد .
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر في هذا الشهر من أنواع العبادات ، فكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان ، وكان عليه الصلاة والسلام - إذا لقيه جبريل- أجود بالخير من الريح المرسلة ، وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان ، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن ، والصلاة والذكر والاعتكاف .
وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور ، حتى إنه ربما واصل الصيام يومين أو ثلاثة ليتفرغ للعبادة ، وينهى أصحابه عن الوصال ، فيقولون له : إنك تواصل ، فيقول : ( إني لست كهيئتكم ، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ) أخرجاه في الصحيحين .
وكان عليه الصلاة والسلام يحث على السحور ، فقد صح عنه أنه قال : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) متفق عليه ، وكان من هديه تعجيل الفطر وتأخير السحور ، فأما الفطر فقد صح عنه من قوله ومن فعله أنه كان يعجل الإفطار بعد غروب الشمس وقبل أن يصلي المغرب ، وكان يقول : ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) كما في الصحيح ، وكان يفطر على رطبات ، فإن لم يجد فتمرات ، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء , وأما السحور فكان يتسحر فلا يكون بين سحوره وبين صلاة الفجر إلا وقت يسير ، قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية .
وكان يدعو عند فطره بخيري الدنيا والآخرة ، وصح عنه أنه قال : ( إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد ) أخرجه ابن ماجه .
وكان صلى الله عليه وسلم يقبل أزواجه وهو صائم ، وربما أدركه الفجر وهو جنب ، فيغتسل ويصوم ذلك اليوم .
وسافر صلى الله عليه وسلم عدة أسفار في رمضان ، منها سفره لغزوة بدر ولفتح مكة ، وغيرهما من الأسفار ، فكان تارة يصوم في سفره ، وتارة يفطر ، وتارة يخير أصحابه بين الأمرين ، وربما أمر أصحابه بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله ، فأفطر عليه الصلاة والسلام في غزوتين من غزواته في رمضان ، وفي صحيح مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كنا في سفر في يوم شديد الحر ، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم و عبد الله بن رواحة ، وخرج عام الفتح إلى مكة في شهر رمضان ، فصام حتى بلغ كُراع الغميم ، فصام الناس ، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ، ثم شرب ، فقيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام ، فقال : ( أولئك العصاة أولئك العصاة ) رواه مسلم .
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إسقاط القضاء عمن أكل وشرب ناسيا وأن الله سبحانه هو الذي أطعمه وسقاه .
وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ، ليجتمع قلبه على ربه عز وجل ، وليتفرغ لذكره ومناجاته ، وفي العام الذي قبض فيه صلى الله عليه وسلم اعتكف عشرين يوما .
أخي الصائم هذا شيء من هدي نبيك صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر ، وهذه العبادة العظيمة ، فحري بك أن تتبع سنة نبيك ، وأن تلزم هديه ، وأن تصوم كما صام ، وأن تجعل من هذا الشهر سبباً لمتابعته عليه الصلاة والسلام في شؤونك كلها ، فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .