انتحار زهرة....

موضوع: انتحار زهرة.... الأحد ديسمبر 07, 2008 1:14 pm

كان الليل يلاحق آخر خيوط النهار ، وقد استولى على المدينة كلها..دخل الموجوع" غرفته منطفئا لا يعرف غير درب يوصله البيت..ودهليز يوصله الغرفة..وجدها تقاسمه فراشه..لم يكن يعي شيئا..في الصباح وجد آثار فعلته..قطرات من دم بارد..وفتاة لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها..بضة قد امتلأت..واستوى قدُّها، وتوردَّت وجنتاها، واتسعت حدقتاها، واكتحل بؤبؤا عينيها..وأعطى الليل الكثير لخصلات شعرها الغجري..
ماذا حدث؟؟ ربما يعرف..كيف حدث ؟؟..قال : لا أعرف..؟؟
كانت تعرف تفاصيل الحكاية.كلها..
"انتهى بها المطاف من المدرسة..امتلأت عيناها..تمنت لو أنها أنهت دراستها..لتصل إلى الجامعة..لم يكن لها ذلك ..اسودّ الآتي..ولعنت الماضي..قصدت غرفة "الموجوع"..قالت اليوم "سأمكِّنه من نفسي "..
وكان لها ما أرادت..
.................
حمل نفسه في الصباح ، وخرج من غرفته..يداري سوأته ،ويخفي جريمته ، بعيدا عن أعين أبيه وعمّتها..قال إن علموا كانت الكارثة، ولم يدر أحد بما حصل..طار إلى عنابة ..بقي هناك يعالج أمره..ويسأل نفسه:"هل فعلا فعلت ما فعلت..؟"عندما سألها في ذاك الصباح لم تجبه..ولما أصرّ..قالت:
- نعم ..اغتصبتني رغم أنفي..وإن لم تفعل ما آمرك به ،لتُكشفنّ ، ولتكوننّ من النادمين..
- --- إلهي هل فعلت ذاك فعلا..؟؟قالها كمن يخاطب نفسه..
كان الليل يمتدّ سنوات ..وكان الليل يأتيه بظلام لم يألفه..هل يقبل أبي الأمر ؟؟ هل سمعت عمتي بالقصة؟؟هل أخبرتها زهرة..؟ وكانت لها الجرأة..!!كانت هذه الوساوس تلازمه..وتدعوه إلى العودة..
بعد أسبوع، ركب قافلا إلى العاصمة..اعتقد أن الجميع سيكون في انتظاره..لكنه وجد الأمر أشبه بالعادي..
دخل غرفته طالبا الراحة..فجاءته زهرة ، تحمل وجعا في داخلها..وقهوة على أكف الضراعة..ارتجَّ عليه الأمر..قصفته بوابل من الأسئلة المتلاحقة..قطعت أنفاسه..لم تترك له فرصة لردها..أين كنت ؟ هل شعرت بندم فرجعت؟ هل أدركت حجم الجريمة؟..هل جئت تكفر عن خطيئتك؟....
كان كل ما تقوله يرمى خارج المدارك..تتبَّعها بعينين يشتهيانها..واستغرق في ليلته التي..
رفض قولها : قال انه ادعاء .. وان الأمر الذي تتكلم عنه لا صحة له.. ولست أنا من تعتقدين .. فعله.. وافعلي ما شئت .. تركها مذهولة..انتابتها رعشة سرت في كل جسدها .. لم تستطع التوسل إليه .. ترجته صامتة ألا يقول ما يقول:
-"أريدك زوجا لا أكثر .. هل هذا كثير علي؟!
.. قال لها في المساء عندما عاد ..
- " المرأة التي تسلم نفسها لرجل طيعة .. يمكنها أن تسلمها لعشرات غيره ..
كانت واقفة كمن هو واثق ومتأكد من فعله .. جلست كمن فقد كل شيء وانتهى إلى العدم .. نظرت إليه بذبول وتوسل :
- أرجوك لا تفضحني ..لو لم أكن أحبك ما مكنتك من نفسي .. خرج لا يلوي على شيء .. أغمي عليها .. لم تشعر بنفسها إلا وهي في المستشفى وفي غرفة الإنعاش المركز.
جاءه من يخبره أن زهرة حملت إلى المستشفى في حالة غيبوبة تامة .. قال الأطباء إن نقلها بسرعة إلى المستشفى قد أبقى عليها حية، وان كان كل شيء بأمر الله تعالى .. وكتبوا في تقريرهم :" لقد حاولت قطع شرايين يدها بشفرة حلاقة ولو لا عمتها التي وجدتها في غرفة موجوع لحدثت كارثة .."
عندما استيقظت سألها رجل كان يقف إلى جانبها لم تعرفه من قبل :
- لماذا حاولت قطع شرايين يدك بشفرة حلاقة ؟!
اعتقد الساذج أن الجواب موجود على أطراف لسان زهرة ..أضاف:
- من أغراك بذلك ؟!
ابتسمت الفتاة ونظرت إليه باحتقار ظاهر ..وقالت له :
- هل في ما قمت به إغراء ؟!
- اقصد : هل شاهدتِ ذلك في التلفزة مثلا ؟! أم هناك من أمرك بذلك ؟!
وباحتقار أضافت،كمن لم ينتبه إلى محاوره :
- عمن تتكلم ؟.. وعما تتكلم؟.. إن ماقمت به لا يعني غيري.. .. تدخلت عمتها رافضة الاستجواب و الفتاة على هذه الحالة .. قال لها المحقق :
- أرجوك سيدتي لا تتدخلي في مهمتي .. دعيني أنهي ما جئت من أجله ..
قالت زهرة منهية احتداما بين طرفين:
- ماذا تريد يا صاحب المهمة ؟!
- لماذا حاولتِ الانتحار ؟سألها..
أجابته بهدوء مصححة ..:
- بل أردت الانتحار ..وأنت تعرف الفرق بين أردت وحاولت؟..
وسكتت كمن تنتظر جوابا عن السؤال .. لم يقل صاحب المهمة شيئا .. نظر إلى عمتها باحتقان .. أضافت زهرة:
- " إن الموت غاية.. والانتحار وسيلة لبلوغ الغاية .. والوجود إيجاب ..إذا انعدم الإيجاب في الوجود فالغاية أولى والوسيلة إليها موجودة .. والوجود وجودي لا أحد يمنعني منه .. وأمارسه كما أشاء.." ثم استوت ووجهت سؤالها إلى صاحب المهمة :
- - " أنت الآن في مهمة .. فأنت رجل ايجابي ..ومفيد .. وصاحب مهمة في المجتمع .. لو لم تكن لك تلك ..كانت هذه (وأشارت إلى يدها وآثر الانتحار ) أولى بك.."..
- قال فزعا : انتحر؟!! تبا لك من فتاة ..
وقام يجمع أوراقه..ثم قال لعمتها بكل احتقار :
- قلتِ لي إنها طُردت من المدرسة !!
وذيل تقريره:
".. وإن حالتها النفسية المحبطة كانت السبب في الانتحار.." .. ونسي كتابة( محاولة..)
في الغد قرأ سكان المدينة. إن فتاة حاولت الانتحار لأنها لم ترتق إلى السنة الأولى ثانوي ..
انتهت..........

انتحار زهرة.... 558302