الحمد لله الذي هيأ لعباده المؤمنين فرصاً كبيرةً، ومناسبات عظيمةً للارتباط، والتقرب إليه، تجديداً لإيمانهم، وتجهيزاً لآخرتهم، وانتشالاً لأنفسهم من زخم الحياة ومشاغلها.
فبفضله سبحانه وتعالى شرع عبادات موسمية يحصد فيها المسلم الأجور والخيرات، ويصحح بها مسيره إلى الله، ومن هذه الطاعات الموسمية الاعتكاف في المساجد.
والاعتكاف : هو لزوم المسجد طاعةً لله ، وهو من السنن التي كان يفعلها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .
وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم الاعتكاف خاصةً في رمضان، فقد اعتكف العشر الأوائل منه، ثم العشر الأواسط، ثم داوم على اعتكاف العشر الأواخر التماساً لليلة القدر، وفي العام الذي قبض فيه اعتكف العشر الأواخر والأواسط معاً، وقد اعتكف صلى الله عليه وسلم في غير رمضان، فكان ذلك تشريعاً منه بجواز الاعتكاف في كل زمان، وقد اعتكف أصحابه وزوجاته في زمانه ومن بعده، مما يدل على أن الاعتكاف سنة ماضية في المؤمنين إلى يوم الدين .
وليس للاعتكاف حد أدنى من الزمن،كما هو رأي الجمهور، ثم إن أكثر العلماء لا يرون وجوب الصوم على المعتكف، ولكن اشترطوا لصحة الاعتكاف شروطا هي: الإسلام،و العقل،و التمييز،و الطهارة من الحدث الأكبر، و النية، و المسجد الذي تقام فيه الجماعة .
ولا يجوزللمعتكف إذا نوى الاعتكاف لمدة معينة أن يغادر المسجد الذي يعتكف فيه إلا لأمر لابد منه مثل خروجه للطهارة، أو الأكل أو الشرب إذا لم يجد من يحضره له، أو العلاج أو نحو ذلك من ضروريات .
ويجوز لأقاربه أن يزوروه في المسجد، لحديث أم المؤمنين صفية رضي الله عنها حين زارت النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف .
وعلى المعتكف أن يحذر مما يفسد عليه اعتكافه مثل مباشرته لزوجته أومجامعتها لقول الحق سبحانه {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا } (البقرة:187)، ويفسد الاعتكاف بالخروج من المسجد لغير ضرورة، ويفسد بالردة عن الإسلام كذلك.
ومن آداب الاعتكاف : الطهارة الدائمة، والإقبال على الله بالذكر، والصلاة، وتلاوة القرآن، وتعلم الدين، والانقطاع عن أمر الدنيا بقدر ما يستطيع المعتكف .
وبعد، فالاعتكاف من المواسم التي تفضل الله بها علينا، ليتحرر فيها الإنسان من قيود الدنيا، ويقبل على نفسه يهذبها، ويطهرها مما أصابها من أكدار الحياة ومتاعبها، وهو فرصة ذهبية للوقوف مع النفس ومحاسبتها، وأخذ الزاد والعدة للانطلاق بالحياة إعماراً وإصلاحاً لها طاعةً لله وتقرباً منه، نسأل الله أن يجعلنا ممن يعتكف على طاعته، ويعكف عن محارمه.