التكاليف الباهظة للزواج ظاهرها برستيج وباطنها وأد من نوع أخر

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ظاهرة
بارزة باتت تنتشر في مجتمعنا اليوم بمختلف مناطقه، تتجسَّد بالازدياد
الملحوظ في أعمار الشباب المقدمين على الزواج وحتى الفتيات، أو في ارتفاع
نسبة العنوسة، وهي ظاهرة يمكن الإجماع بردها إلى ما أصبح الزواج يشكله من
عبء على الشاب وحتى الفتاة يثقل عاتق الطرفين.
اليوم، ومع انتشار
التعليم وازدياد الفتيات المتعلمات، ازدادت طلبات الفتيات وأهاليهن بشكل
أكبر من السابق، حتى بات هذا العلم ضريبة من المفترض أن يدفعها الشاب.
وللاطلاع على واقع هذه المشكلة، استطلعت “بلدنا” آراء مجموعة من الفتيات
والشابات وذويهن في مختلف المحافظات..

تأخرنا عن الزواج والسبب...

على الرغم من
أنَّ الزواج مؤسسة تقوم على الاتفاق بين الزوجين، إلا أنَّ الإقبال عليه
اليوم بات مرتبطاً بالكثير من الشروط التي تقدمها الفتاة وأهلها الراغبين
بتأمين زواج وحياة مناسبة لابنتهم؛ مما دفع الكثيرين من الشباب لتأجيل هذا
الموضوع، نظراً لصعوبة توفر المال الوفير والبيت المقبول، وسط الظروف
المعيشية الصعبة؛ حسبما يرى الشاب وائل من دمشق، الذي أضاف: “ولأنَّ هذه
الشروط في مثل هذا الوقت باتت نادرة التطبيق على أرض الواقع، فإلى الآن
مازلت أبحث عن الفتاة غير المتطلبة، ولكن دون جدوى، خاصة مع رفض الفتيات
مشاركة منزل والد الزوج في بداية الطريق”. ويؤيد هذه النظرة الشاب أحمد،
قائلا: “الوضع الاقتصادي أثَّر على عادات الزواج وتقاليده وقوانينه
المجتمعية. هذا أقل ما يمكن قوله عند الحديث عن ظاهرة الزواج (الواقعي)
الذي أخذ ينتشر في أوساط العائلات (الديرية)”. ويضيف خالد بزوير من سكان
حي المشاع، وهو من أفقر أحياء حماة: “الحياة بشكل عام أصبحت أكثر صعوبة،
وتعدَّدت متطلباتها، وهذا ما انعكس على ارتفاع تكاليف الزواج، وشخصياً لا
أستطيع تحمل هذه التكاليف الكبيرة؛ فبحساب بسيط لهذه التكاليف وسطياً في
حماة، نجد أنها تكلف من 250 إلى 300 ألف ليرة سورية في حال تواجد المسكن.
وهذا المبلغ يحتاج إلى توفير من الموظف لأكثر من أربع سنوات”.
وهذه
المشكلة ينسبها غالبية الشباب لأهل الفتاة وطلباتهم غير المنطقية برأي
الشباب. يقول أحمد قباني (أب من اللاذقية- خريج معهد لغة إنجليزية):
“الأهل أصبحوا يبحثون لبناتهم عن الشاب الذي يمتلك المال والحسب والنسب
والشهادات العلمية. وهذا ما يجعل مهمة الزواج شبه مستحيلة، متناسين
الأخلاق والدين”. ويؤيده الرأي عامر بنشي (34 عاماً)، الذي أكد أنه لم
يتزوج حتى الآن، لأنه لا يستطيع تأمين تكاليف الزواج، والوضع ذاته ينطبق
على عمر الحسين الشاب الحمصي البالغ عمره 33 سنة، الذي أكد أنَّ العقبة في
وجه ارتباطه عبارة بات يسمعها كثيراً: كوّن نفسك أولا!!!.
وخلال
استطلاعنا الآراء، كان لمجموعة من الشباب نظرة أكثر تفاؤلا، تمثلت بتطبيق
المثل “إلي متلنا تعو لعنا”، وهي حالة بإمكانها أن ترضي كافة الأطراف،
لأنَّ أبناء الأحياء الفقيرة عندما يناسبون فتاة من نفس المستوى
الاقتصادي، ستكون الطلبات بالتأكيد أقلّ، وستكون فكرة السكن بمنزل الأهل
أكثر قبولا، دون أن ننكر وجود بعض الحالات الاستثنائية عندما تعيش الفتاة
خارج واقعها. ويقول محمود حداد من سكان حي الشريعة (أغنى حي في حماة):
“تختلف تكاليف الزواج من منطقة لأخرى في حماة، وذلك باختلاف العادات
والتقاليد السائدة. وللحالة المادية أهمية كبرى في اختيار الزوجة؛ فمن
يملك المال قادرٌ على الزواج من فتاة جميلة و”متعلمة”. وأشار حداد إلى
ظاهرة انتشار الزواج بين الأقارب بشكل كبير، وأعاد ذلك لتخفيف أعباء
الزواج، فبعض الأقارب يقدمون مساعدة لقريبهم العريس، تصل في بعض الحالات
لتقديم منزل للسكن.

وللفتيات رأي

عند الحديث عن موضوع
الزواج وتأخره، يرمي الكثير من الشباب المسؤولية على الفتيات، ويحملونهن
السبب في بقائهن عازبات أو عانسات، في حين تدافع الكثير من الفتيات عن
أنفسهن برفضهن طلبات أهاليهن واضطرارهن للخضوع لها، لأنَّ موضوع الزواج
يأخذ طابعاً عائلياً واجتماعياً؛ تقول ليلى: “الفتاة عند طلبها هذه المهر
المرتفع والشروط الكثيرة، تحاصر الرجل، وربما تخنقه، إضافة إلى صعوبات
الحياة الاقتصادية والمادية التي تؤدي إلى ألم ومعاناة لدى الطرفين. وفي
النهاية يتحوَّل الزواج إلى حلم صعب المنال للرجل والمرأة”. لكن سلطة
الأهل هي السبب أحياناً، وهي سلطة ينبغي أن تتّصف بالمرونة، كما ترى سلوى
الأمين من حمص، مضيفة: “هذه الصعوبات ستبقى موجودة إلى أن تتحرَّر المرأة
من القيود العائلية والاجتماعية التي ترهن زواجها بموافقة هذا أو ذاك،
وتمنعها من أن تختار شريك حياتها. لأن حرية المرأة تعني جملة أشياء أخرى؛
أنه حين تبلغ الفتاة سن الرشد، فهي الوحيدة التي يحق لها أن تختار شريك
حياتها لتعيش معه، حتى ولو كان العيش في غرفة واحدة”.
وتتحدث هديل عن
مشكلتها قائلة: “رفضت والدتي إتمام العرس، لأنها اكتشفت أنَّ غرفة النوم
مخالفة للمواصفات المطلوبة، وإلى الآن أنتظر عريس الهنا، الذي يخاف من
الاقتراب بعد سماعه قصتي، على الرغم من ندم عائلتي على تصرفاتهم”. والأمر
ذاته ينطبق على “قمر” طالبة الأدب الإنجليزي في اللاذقية، التي رفض والدها
تزويجها لزميلها في الجامعة، وقام برفع مهرها إلى أرقام خيالية لا يستطيع
الشاب دفعها، مما اضطرها للعزوف عن الزواج احتجاجاً على تصرف والدها، الذي
قلب حياتها رأساً على عقب بحسب قولها.
لهذا باتت الكثير من الفتيات
يؤيدن عدم الدخول بكلّ هذه الصعوبات المالية، من أجل التقليل من العنوسة
حيث ترى سميرة الطالبة الجامعية وجوب إلغاء المهر، تفادياً للمشاكل
وارتفاع نسبة العنوسة بين أوساط الصبايا، فالمهم عندها تأسيس عائلة
والاستقرار. كما تقول سعاد من دير الزور إنَّ الشروط التي كانت تضعها
الفتاة في السابق أخذت بالاضمحلال والزوال، نتيجة الظروف المادية الصعبة
التي يعيشها معظم الشباب. كما عبرت ندى عن واقعيتها أيضاً في تقدير الظروف
الحالية للشباب، لكنَّ شرطها الأساسي الذي لا تتنازل عنه هو رفع المؤخر.
وهذا الشرط كما علمنا، أصبح الكثير من الآباء يعمدون إليه، لضمان مستقبل
الفتاة كما يقولون، وهو تبرير يحمل في طياته الكثير من التساؤلات، إذا ما
علمنا أنَّ رفع المؤخر تضاعف أضعافاً عدة، وبشكل يبتعد عن الواقعية التي
ينادي بها هؤلاء...!!.
في حين ترى رشا العلي (طالبة معهد طب بيطري) من
حماة أنَّ التخفيف من أعباء الزواج ممكن، في حال وجود حب وتفاهم من كلا
الطرفين؛ فيمكن للفتاة التغاضي عن بعض المسائل الكمالية في الحياة
الزوجية، وهذا لا يعني أن يتمّ تجاوز بعض المسائل المهمة والضرورية، لأنَّ
الزواج ليس صفقة تجارية كما تقول لمى (طالبة في جامعة تشرين- كلية
التربية)، لأنَّ الأهل لا يبيعون ابنتهم، وهم ليسوا في مزاد علني، والمهر
المرتفع هو للتعجيز فقط. وأضافت لمى: “يجب أن نساعد الشباب في هذه
المرحلة، وأن نقوم بدعمهم على الأقل معنوياً. وبالنسبة لي أنا ضدّ الطلبات
الكثيرة، ولا يهمني كثيراً الوضع المادي للشاب. يكفي أن يكون وضعه مقبولا،
ويجب أن يتمتع بأخلاق ودين”. وفي نهاية حديثها، طالبت “لمى” بضرورة وجود
حملات توعية إرشادية، توضح المعاناة التي يعيشها الشباب، وضرورة توفير فرص
عمل لهم. كما طالبت كلّ أب بأن يتذكر نفسه عندما كان شاباً طالباً للزواج،
قبل أن يغلي المهر على زوج ابنته.

رأي الأهالي

بغض
النظر عن ارتفاع قيمة المهور، إلا أنَّ مشكلات الشباب لم تنته عند هذا
الحدّ، فالمتطلبات كثيرة، إذ كثيراً ما يحدّد أهل العروس غرفة النوم من
محلّ معين، وفستان العروس بمبلغ معين آخر، عدا عن مقدار الذهب ونوعيته،
وعادات مد الجهاز والصبحية، وصالة الأفراح والضيافة، وصالون الحلاقة
وغيرها.
ويدافع الأهالي عن شروطهم بالقول: المغالاة في المهور تزيد من
قيمة الفتاة وأهميتها لدى (بيت الإحمى).. وابنتهم ليست كأيّ فتاة أخرى
تقبل بأول عريس يدقّ بابها. ومن ناحية أخرى، معرفة مدى كرم العريس وتعلقه
بعروسه. ومنه عزت رفيف، التي زوجت ابنتها بمقدم مليون ليرة ومؤخر قدره
مليون أيضاً، لأنها حاصلة على ماجستير هندسة زراعية، وعريسها يملك شهادة
ثانوية، نعتبرة أن هذا الأمر أضمن لمستقبلها.
في حين ترى السيدة أم
علاء أنها كأي أم تحلم بتزويج ابنتها لأفضل شب، وتجنيبها مصاعب الحياة، من
خلال ضمان مستقبلها بالبيت الجيد والمهر المرتفع، فضلا عن الذهب.


رأي الدين

كافة الشرائع السماوية تؤكد ضرورة الزواج وأهميته، من أجل استمرار
البشرية. وغالباً ما يدعو الدين إلى التسهيل في الشروط، بهدف تمكين كافة
الشباب من تحقيق هذه الخطوة. ويقول الدكتور محمد حبش: “إنَّ المهر في
الأصل شرطٌ مادي لحماية المرأة، ويجب ألا يشعر أحد الطرفين بالحرج في
تفعيل المهر، بحيث يؤدي رسالته كضمانة للمرأة، فليس هو بيع أو استغلال من
المرأة، بل هو تعاون بين الطرفين في أمور الحياة”. ودعا إلى العدالة
والبعد عن المغالاة والتفريط في المهر، حتى لا تتحول المرأة إلى سلعة،
مستشهداً بقول الشاعر أحمد شوقي: “المال حلّل كل غير محلّل حتى زواج الشيب
بالأبقار** ما زوجت تلك الفتاة وإنما بيعت من الدينار”. فالمهر قيمة
حقيقية قدَّرها الفقهاء لمدة عام، وبعض الناس يتصوّرون أنَّ المهر تافه،
وأحياناً يعمد البعض منهم لاعتباره قيمة معنوية، والمهر المثل هو أن يكون
مساوياً لما جرت العادة بدفعه لأمثالها من النساء.
ويختم الدكتور حبش
قائلا: “ما يجب قوله هو: إنَّ المهر حقّ المرأة، ولا يجوز أن يكون في عهدة
أحد، فليس هو حق لزوجها بل حقها الشخصي، وإذا زوج الأب ابنته القاصر
وتنازل عن المهر، فالشرع يمنح المرأة حقّ المطالبة بالمهر المثل، ويعتبر
الأب عاصياً، لأنه تخلى عن المهر. لذلك لابدَّ أن يكون هناك توازن بالمهر،
أي أن يكون المهر بيد المرأة ومن حقها الشخصي فقط”.

ارتفع المتوسط العمري للمقدمين على الزواج ليتجاوز 26 عاماً
بالنسبة للفتيات و30 عاماً عند الشباب، وهي أرقام لم يكن لها وجود قبل
عقود قريبة، حتى أنها كانت تنذر أصحابها وخاصة الفتيات بالعنوسة وصعوبة
الفرص أو انعدامها